وإذا كان ما ذكره السبكي جائزًا مشروعًا؛ فكيف يُسَلَّم له ما ادَّعاه مع نهيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن اتخاذ القبور مساجد، وطلبه من ربه أن لا يجعل قبره وثنًا يُعبد؟! وإذا سلمنا للسبكي ما قاله؛ فقد عارضنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم وحكمنا عليه بأن الله لم يستجب له دعاءه! فأي عبادة للقبر أعظم من طلب حوائج الدنيا والآخرة من صاحبه، والاستغاثة والالتجاء له في جلب المنافع ودفع المضرات، فما هذا إلا من محض الرأي الفاسد؛ فنعوذ بالله من اتباع الهوى.
وقوله: «مشروعة» استنادًا إلى ما قاله الشارمساحي في غاية البعد؛ لأنه لا يليق بالشارمساحي ولا غيره من الناس كائنًا من كان أن يكون مُشَرِّعًا ومحدثًا في دين الله ما ليس منه، بل نهى الله ورسوله عنه. وأما زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره من النبيين والمرسلين [فهي تُزار] كغيرها من قبور سائر المؤمنين [للدعاء] وطلب الرحمة لهم والسلام عليهم؛ فهي مشروعة، وشيخ الإسلام لم ينكر هذا؛ وإنَّما أنكر شد الرحل لمجرد الزيارة، وقد سبقه إلى ذلك أئمة السلف؛ كما ببَّنَه الحافظ النووي في شرحه لمسلم، والغزالي في «الإحياء» ، والحافظ ابن عبد الهادي في كتاب «الصارم