استثناه من قبور الأنبياء والمرسلين صحيح، وأما حكمه في غيرهم بالبدعة ففيه نظر، ولا ضرورة بنا هنا إلى تحقيق الكلام فيه؛ لأنَّ مقصودنا أن زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والمرسلين للتبرك بهم مشروعة وقد صرَّح به» . فانظر؛ كيف وافق هذا المعترض أبا محمد الشارمساحي المالكيّ على قوله هذا، فلِمَ لم يوافقه مقلدوه على الاقتصار في التبرك بقبور الأنبياء والمرسلين بل أجازوا ذلك وزادوا عليه الذي ذكرناه عنهم سابقًا في قبور غيرهم؛ [فلعلهم تمسكوا بقول السبكي عقب كلام أبي محمد: «وأما حكمه في قبور غيرهم] ففيه نظر» . وهذا صحيح لو سلم له صحة ما ادَّعاه: من أن قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والمرسلين يُزار للتبرك به، وأن زيارته لهذا الغرض مشروعة، وأنى يسلم له ذلك، ونحن نعلم أنه ليس لأحد بعد الله ورسوله أن يشرع في الدين ما ليس فيه؛ لقوله ـ تعالى ـ: {اليوم أكملتُ لكم دينكم} ، وقوله ـ تعالى ـ: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من أحدث في أمرنا هذا ـ وفي رواية: في ديننا ـ ما ليس منه فهو ردٌّ» .
وقد تتبعنا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة؛ فلم نجد فيها أن القبور تُزارُ لطلب الخير من أهلها؛ بل وجدنا في القرآن والسنة ما يناقضه ويباينه أشد مناقضة ومباينة، وأنه من جنس أفعال المشركين التي كانوا يفعلونها بقبور صالحيهم؛ ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن فاعل ذلك، وسأل ربه ـ تعالى ـ «أن لا يجعل قبره وثنًا يُعبد» .