والجاهل ـ وإن قصد بسفره غير ذلك ـ فهو ـ ولله الحمد ـ لا يفعل إلَّا ما يرى العلماء يفعلونه من الصّلاة والزّيارة وغير ذلك، ومعلوم لدى كلّ منصف أنّ العبرة بفعل العلماء ومقاصدهم، وأمّا الجاهل فلا التفات لفعله ولا لقصده؛ فإنّ العوام تبعٌ للعلماء، وقد نظرنا في كتب العلماء قديمًا وحديثًا فلم نجد فيها غير ما وصفنا، ولم نجد فيها أحد يقول: لا يقصد بالسّفر وشدّ الرّحل إلَّا للزّيارة من غير قصد إتيان المسجد والصّلاة فيه، ولو قاله أحد لكان بقوله هذا معلنًا بين العلماء لما يلزم على قوله هذا من مخالفة الحديث الصّحيح المتّفق عليه من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُشَدُّ الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد» . فعلى قوله هذا: لا يلزم أحد أن يأتي مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يُصَلِّي فيه، فإن عمَّم المسجدين الآخرين؛ فقد تغالى في مخالفة النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وإن قال: بل يُشدّ الرّحل إلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وأما مسجده صلى الله عليه وسلم لا يُقصَد بشدّ الرّحل ولا بالسّفر؛ بل يُقصد بالزّيارة للقبر الشّريف فقط؛ فقد شَهِدَ بجهله وفضيحته أمام العلماء، وكلّ أحد له أدنى فهم يعلم بطلان هذا القول. وإن قال: أنا لا أقول ذلك؛ وإنّما أقول: يقصد بسفره المسجد والزّيارة، فإذا وصل يُصَلِّي في المسجد الشّريف، ثم يزور قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد رجع عن قوله ووافق شيخ الإسلام وغيره.
فقط يبقى بينه وبينهم خلاف قليل في النّيّة، لا تأثير له إذا كان الفعل مُطابقًا على فعل مَن نوى بسفره الزّيارة والصّلاة في المسجد ـ كما علمتَ ـ؛ فتأمّل.
وقوله: «وإطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرق ومغاربها على مرّ السّنين، وفيهم العلماء والصُّلحاء وغيرهم؛ يستحيل أن يكون خطأ» :
أقول: [ما] ذكره إن