بشيء من هذه الأحاديث؛ بل استدلّ بقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سَلَّم عليَّ أحد عند قبري؛ ردَّ الله عليّ روحي حتّى أرُدَّ عليه السّلام» ـ أو كما قال ـ، وقوله: «فإنّ
النّسا لم يزالوا في كلّ عام إذا قضوا الحجّ يتوجّهون إلى زيارته صلى الله عليه وسلم» .
أقول: هذا الذي ذكره مَن توجّه النّاس في كلّ عام بعد قضاء الحجّ صحيح، ولكن مِن أين لهم علم سرائرهم وأنّهم ما يتوجّهون إلَّا للزّيارة المُجرّدة عن كلّ قصد سواها ـ كالصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم ـ؟! فإن قال: إنّ النّاس يقصدون بتوجّههم هذا الزيارة مع الصّلاة في مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد وافق شيخ الإسلام ولا نزاع حينئذ؛ فإنّ شيخ الإسلام قائل بذلك. وإن قال: لا يتوجّهون إلَّا لقصد الزّيارة ليس إلَّا؛ فقد خالف بقوله هذا ما عليه المسلمون، وجنى عليهم جنابة عظيمة بتحكّمه على مقاصدم ونيّاتهم التي لا يعلمها إلَّا خالقهم، والحال أنّ أفعالهم في المدينة تبيّن لكلّ أحد مقاصدهم؛ فإنّهم إذا شدُّوا الرّحل وسافروا إلى المدينة المنوّرة أتوا مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وصلُّوا فيه، ثم انثنوا بعد ذلك إلى زيارة القبر المعظم، وكذا قبر أبي بكر وعمر، وهذا الذي يقوله شيخ الإسلام وعامّة المسلمين، ومَن تأمّل حال النّاس اليوم وقبل اليوم؛ عَلِمَ يقينًا أنّهم لا يفعلون غير ما وصفنا، سواء في ذلك العالم منهم والجاهل من غير فرق.
وقوله: «معتقدين أنّ ذلك قربة وطاعة» :
أقول: نعم ـ وبه يقول شيخ الإسلام ـ إذا كان شدّ الرّحل والسّفر إلى ما وصفنا، وهو ـ ولله الحمد ـ لا يفعل غيره؛ فإنّ العالم من النّاس لا يتوجّه إلَّا لقصد الزّيارة والصّلاة في المسجد ـ كما علمتَ ـ،