أراد به إطباقهم على ما وصفنا؛ فهو صحيح، وعليه يدلّ ما ذكروه في مصنفاتهم قديمًا وحديثًا ـ كما سبق ـ، ورأيناه في فعلهم، لا فرق في ذلك بين عالم وجاهل، وهذا هو الذي يستحبّه شيخ الإسلام ابن تيميّة وغيره. وإن أراد بهذا الإطباق أمرًا آخر غير ما ذكرنا؛ بأنّهم أطبقوا على شدّ الرّحل والسّفر إلى الزّيارة المُجرّدة من غير أن يُصَلِّي في مسجده صلى الله عليه وسلم؛ فهذا ـ وايم الحقّ ـ قول لا يقول به أحد من العلماء، ولا يفعله أحد، ولو كان من أجهل الجاهلين؛ بل رأينا ـ ولله الحمد ـ كلّ أحد يفعل ما قاله شيخ الإسلام وغيره من إتيان المسجد الشّريف ويُصَلِّي فيه، ثم يزور قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، وإن عجز عن تعبير ما في ضميره؛ فعُلِمَ بهذا أنّ السّلف والخلف متّفقون ومجمعون على ما ذهب إليه شيخ الإسلام قولًا وفعلًا؛ فأمّا القول: فما ذكروه في كتبهم من صفة الزّيارة، وإن اختلفت عباراتهم، وأمّا الفعل: فكما رأيناه وسمعناه نحن ومَن قبلنا، ولا تكاد ترى أحدًا يفعل سوى ما ذُكِرَ في كتب العلماء من صفة الزّيارة، وهذا الذي وصفناه وذكرناه هو الإجماع الذي يستحيل معه الخطأ، وشيخ الإسلام أسعد به من مخالفه. والله الموفّق.
والذي يتحصّل من هذ االكلام الطويل؛ أنّ في المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: شدّ الرّحل والسّفر يُقصد به الزّيارة والصّلاة في المسجد.
الثاني: شدّ الرّحل والسّفر بنيّة الزّيارة فقط، وإذا وصل هذا المسافر المدينة أتى المسجد وصلّى فيه، وزار قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
الثالث: شدّ الرّحل والسّفر إلى الزيارة المُجرّدة، من غير قصد الصّلاة في المسجد، والتّمادي على هذه النّيّة حتى يزور، من غير أن يُصَلِّي في المسجد، ثم ينصرف.