الأحاديث الواهية والموضوعة التي أوردها السّبكيّ في كتابه هذا، وقلدّهم النّاس في ذلك، حتّى إذا عمّت مصيبة التّقليد؛ تركوا ما هو الأصل والمراد من شدّ الرّحل والسّفر، وذكروا الذي لم يُشرَع له ذلك، حتّى قال السّبكيّ ما قال!
وأمّا قوله «وما قاله منهم أحد» :
أقول: [هل] لم يطّلع السّبكيّ على ما قاله الغزالي في كتبه عن ابن الجوينيّ والقاضي حسين وطائفة ـ وكذا ذكره عنهم النّوويّ في «شرحه لصحيح مسلم» ـ، وأنّهم حرّموا شدّ الرّحل والسّفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصّالحين، من غير استثناء في ذلك؟! وما ظننتُ أنّ التّعصّب يفضي بصاحبه إلى هذا، سيّما ابن الجوينيّ والقاضي حسين [وكذا الغزاليّ] من أئمّة الشافعيّة!
وأمّا قوله: «وإنّما أرادوا أنّه ينبغي أن يقصد قربة أخرى؛ ليكن سفرًا إلى قُربَتين؛ فيكثر الأجر بزيادة القُرَب، حتّى لو زاد من قصد القُربات زادت الأجور ... » إلخ:
فالجواب أن يقال: من أين لك أنّهم ما جعلوا ذلك شرطًا، وأنّهم أرادوا أنّه ينبغي أن يقصد قُربة أخرى ... إلى آخر ما قلتَ؟! وهم قد أطلقوا كلامهم؛ فلِمَ جعلتَ الأصل من كلامهم شدّ الرّحل والسّفر إلى الزّيارة، والصّلاة في المسجد تبعًا له، من غير دلسل يدلُّك عليه من كلامه؟! فإذا قال رجل لآخر: اذهب إلى زيد وعمرو؛ فهل يقول أحد: إنّ زيدًا هو الأصل وعمرًا تبع له ـ والحال أنّ الواو جمعت بينهما ـ؟! ولو قاله أحد؛ لكان مخالفًا بقوله هذا ما هو المعلوم والمعروف من لغة العرب! فغاية ما يُقال: إنّ الأمر بشدّ الرّحل والسّفر يتناول الأمرين: الزّيارة والصّلاة في المسجد الشّريف؛ فكيف خصّصتَ الأمر بشيء دون شيء بغير مخصّص؟! ولولا ما ذكرتَه عن الأكثرين ممن صَنَّف في المناسك؛ لم تُعَرِّج على ذكر الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم، ولكن منعك منه امتلاء كتب القوم به.
وما ذكره عن ابن الصّلاح: فإن صَحَّ؛ حُمِلَ على تغاليه في التّقليد، مع جلالة قدره في الحديث،