ويُقال له: إنّك من أهل الحديث العالمين بالصّحيح منه والسّقيم؛ فهل رويتَ لنا حديثًا في موطإ مالك، أو في صحيح البخاريّ ومسلم، أو في السُّنّن الأربعة، أو المُنتقى لابن الجارود، أو المختارة للضياء المقدسيّ، أو المستدرك للحاكم ـ على ما فيه ـ؛ يدلّك على ما ذهبتَ إليه من مشروعيّة شدّ الرّحل والسّفر إلى مجرد الزّيارة من غير قصد الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم؟! وما نراك رويتَ لنا في هذه الكتب التي سمّيناها إلَّا حديث: «لا تُشَدّ الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد» ، وحديث فضل المدينة، وفضل الصّلاة في مسجدها! فإن كنتَ رويتَ حديثًا يخالف هذه الأحاديث الصّحيحة ويُقَدّم عليها؛ فأوجده لنا؛ حتى ننظر فيه، وإن كنتَ ما رويتَ في ذلك إلَّا الأحاديث الملفّقة والواهية والموضوعة، وزعمتَ أنّ العمل بمقتضاها يُقَدّم على العمل بمقتضى الأحاديث الصّحيحة التي تقدّمت الإشارة إليها؛ فقد خالفتَ بقولك هذا ما عليه أئمّة الحديث والأصول؛ إذ لا نسبة بين موضوع وضعيف، وبين ضعيف وصحيح، فضلًا عن أن يُقَدَّم عليه! وكنتُ أتعجّب من الحافظ أبي عمرو ابن الصّلاح هذا لما نقلوا عنه قوله: «ولا يجوز تقليد غير الأئمّة الأربعة؛ لأنّ مذاهبهم لم تدوّن ولم تُحَرّر مثل مذاهب الأربعة» ! فلو قالها أحد غيره من أهل الفقه فقط؛ فلا غرو؛ لأنّهم لم يُعانوا صناعة علم الحديث، وأمّا مثل ابن الصّلاح فغريب منه صدور مثل هذا عنه؛ ومن المعلوم لدى كلّ مَن مارس علم السُّنّة واطّلع على دواوين أهل الإسلام المؤلّفة في الحديث ـ كموطإ مالك والأصول السّتّة والمسانيد ومُصَنّف عبد الرّزّاق وابن أبي شيبة وغيرها ـ أنّ هذه الكتب كلّها مشحونة بأقوال الصّحابة
والتّابعين وغيرهم ممّن أتوا بعدهم غير الأربعة! فإن قال: لا يُعبأ بتلك الأقوال؛ لأنّنا لسنا على ثقة من صِحّتها ونسبتها إلى أهلها؛ فالجوابُ أن يقال: الذي روى الأحاديث النّبويّة التي فيها روى هذه الأقوال عن أهلها، فلِمَ صدّقناه في رواية الحديث واتّهمناه في رواية هذه الأقوال عن أهلها؟! فإن كنّا قد صدّقناه في رواية الحديث؛ فقد وجب علينا أن نُصَدّقه في رواية