تلك الأقوال؛ فتأمّل.
وغاية ما يُقال في ابن الصّلاح: أنّه ـ وإن كان إمامًا في الحديث ـ لكنّه كان يَغْلِب عليه التّعصّب للمذاهب كغيره ممّن اعتنى بهذا الشّأن، ولم يقدّمه على أقوال الرّجال!
والحال أنّنا نقول: إنّ التّقليد في أمثالهم حرام؛ لأنّهم أعلى قدرًا من أن يُقَلِّدوا أحدًا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم عالمون بصحيح السُّنّة وسقيمها، لايختلف في هذا اثنان، ولكن كما قيل: «حُبّك الشّيء يعمي ويصمّ» ! فنسأل الله أن يرحمهم ويُجازيهم على حسن نيّاتهم.
وقد علمتَ مما مرّ أنّ السّبكيّ لا دليل [له] في القرآن ولا في السُّنّة ولا في القياس ولا في الإجماع على جواز شدّ الرّحل والسّفر إلى زيارة القبور، من غير قصد شيء آخر يكون السّفر مشروعًا له، فضلًا عن استحبابه! وأنّ شيخ الإسلام أسعد بصحّة الحُجّة على ما ذهب إليه من تحريم شدّ الرّحل والسّفر لزيارة القبور المُجرّدة عن كل قصد سواها، وأنّ زيارة القبور مشروعة من غير شدّ رحل وسفر؛ فهما مسألتان؛ فاحذر من جعلهما مسألة واحدة ـ كما بيّنّاه فيما سبق ـ. والله وليّ التّوفيق.
فصل
ثم ذكر السّبكيّ بعد الإجماع أصلًا خامسًا؛ أشار [إليه] بقوله: «الخامس: وسيلة القُربة قُربة» ، وأطال الكلام جدًّا في تقرير هذا الأصل؛ مستدلًّا عليه بأحاديث نبويّة ومباحث أصوليّة لا تحتاج إلى مناقشة؛ لأنّه لا حاجة بنا إلى ردّ شبهته؛ لوجهين:
أحدهما: أنّنا قد أبطلنا حُجّته من الأصول الأربعة على ما ذهب إليه، وهو ما بنى هذا الأصل الخامس إلَّا على تصحيح ما ادّعاه بالأصول الأربعة، وإذا تبيّن لك بطلان ما ادّعاه، وأنّ الأصول الأربعة شاهده على سقوط دعواه؛ علمتَ قطعًا سقوط احتجاجه بالأصل الخامس.
الثاني: أن يُقال: وسيلة القُربة قُربة إذا كانت الوسيلة إليها مشروعة، وبحيث يتوقّف فعل القُربة على هذه الوسيلة، وأمّا إذا كانت هذه الوسيلة غير مشروعة، أو أنّ فعل القُربة لا يتوقّف عليها؛ فليست مشروعة. فإذا تقرّر هذا الأصل؛ فنقول: إنّ مسألتنا هذه ليست من هذا الباب؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الزّيارة مشروعة، ولكنّ شدّ الرّحل والسّفر