ودعاهم إليه، وما يشرع للزّائر من صلاة وسلام ودعاء له وثناء عليه؛ كلّ ذلك مشروع في مسجده في حياته، وهي مشروعة في سائر المساجد، بل وفي سائر البقاع التي تجوز فيها الصّلاة، ومَن ظنّ أنّ زيارة القبر تختصّ بجنس من العبادة لم تكن مشروعة في المسجد وإنّما شُرعت لأجل القبر؛ فقد أخطأ؛ لم يقل هذا أحد من الصّحابة والتّابعين، وإنّما غلط في هذا بعض المتأخّرين، وغاية ما نقل عن بعض الصّحابة كابن عمر أنّه كان إذا قدم من سفر يقف عند القبر ويسلّم، وجنس السّلام مشروع في المسجد وغير المسجد قبل السّفر وبعده» .
ثم قال بعد كلام طويل: «وأمّا السّفر لأجل القبور؛ فلا يُعرف عن أحد من الصّحابة؛ بل ابن عمر كان يقدم إلى بيت المقدس ولا يزور قبل الخليل صلى الله عليه وسلم وكذلك أبوه عمر ـ رضي الله عنه ـ ومَن معه من المهاجرين والأنصار؛ قدموا إلى بيت المقدس ولم يذهبوا إلى قبر الخليل ـ عليه السّلام ـ، وكذلك سائر الصّحابة الذين كانوا ببيت المقدس وسائر أهل الشام؛ لم يُعرف عن أحد منهم أنّه سافر إلى قبر الخليل ـ عليه السّلام ـ ولا غيره؛ كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وما كان قربة للغرباء فهو قربة لأهل المدينة، [وما] لم يكن قربة [لأهل المدينة؛ لم] يكن قربة لغيرهم، كاتّخاذ بيته عيدًا، واتّخاذ قبره وقبر غيره مسجدًا، وكالصّلاة إلى الحجرة والتّمسّح بها وإلصاق البطن بها والطّواف، وغير ذلك ممّا يفعله جهّال القادمين؛ فإنّ هذا بإجماع المسلمين ينهى عنه الغرباء، كما ينه عنه أهل المدينة؛ يُنهون عنه صادرين وواردين باتفاق المسلمين.
وبالجملة؛ فجنس الصّلاة والسّلام عليه والثّناء عليه صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك مما استحبّه بعض العلماء عند القبر للواردين والصّادرين؛ هو مشروع في مسجده وسائر المساجد، وأمّا ما كان سؤالًا له؛ فهذا لم يستحبّه أحد من