وعبادة بن الصّامت، وأبي الدّرداء، وغيرهم ـ؛ لم يُعرف عن أحد منهم أنّه سافر لقبر من القبور التي بالشّام، لا قبر الخليل ولا غيره، كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وكذلك الصّحابة الذين كانوا بالحجاز والعراق وسائر البلاد ـ كما قد بسطنا هذا في غير هذا الموضع ـ.
فإن قيل: الزّائر في الحياة إنّما أحبّه لله لكونه يحبّه في الله، والمؤمنون يحبّون الرّسول صلى الله عليه وسلم أعظم، وكذلك يحبّون سائر الأنبياء والصّالحين؛ فإذا زارهم أثيبوا على هذه المحبّة.
قيل: حبّ الرّسول من أعظم واجبات الدّين ... » ، ثم ذكر الآيات القرآنيّة والأحاديث الصّحيحة النّبويّة؛ الموجبة لتعظيمه ومحبّته صلى الله عليه وسلم؛ حذفناها لأجل طولها، إلى أن قال: «لكن حبّه وطاعته وتعزيره وتوقيره وسائر ما أمر الله به من حقوقه؛ مأمور به في كلّ مكان؛ لا يختصّ بمكان دون مكان، وليس مَن كان في المسجد عند القبر بأولى بهذه الحقوق ووجوبها عليه ممّن كان في موضع آخر.
ومعلوم أنّ مجرّد زيارة قبره كالزّيارة المعروفة للقبور غير مشروعة ولا ممكنة، ولو كان في زيارة قبره عبادة زائدة للأُمّة؛ لفُتح باب الحجرة، ومكّنوا من فعل تلك العبادة عند قبره، وهم لم يمكّنوا إلَّا من الدّخول إلى مسجده، والذي يُشرع في مسجده يُشرع في سائر المساجد، لكنّ مسجده أفضل من سائرها، غير المسجد الحرام ـ على نزاع في ذلك ـ. وما يجده مسلم في قلبه من محبّته والشّوق إليه والأنس بذكره وذكر أحواله؛ فهو مشروع له في كلّ مكان، وليس في مجرّد زيارة ظاهرة الحجرة ما يوجب عبادة لا تُفعل بدون ذلك، بل نهى عن أن يتّخذ ذلك المكان عيدًا، وأمر أن يصلّى عليه حيث يكون العبد ويسلّم عليه؛ فلا يخصّ بيته وقبره لا بصلاة عليه ولا بتسليم عليه؛ فكيف بما ليس كذلك؟! وإذا خصّ قبره بذلك؛ صار ذلك في سائر الأمكنة دون ما هو عند قبره ينقص حبّه وتعظيمه وتعزيه وموالاته والثّناء عليه عند غير قبره، عمّا يفعل عند قبره، كما يجد النّاس في قلوبهم إذا رأوا مَن يحبّونه ويعظّمونه؛ يجدون