صادقين} ، وقال ـ تعالى ـ: {قل لمن الأرض ومَن فيها إن كنتم تعلمون} إلى قوله: {فأنّى تُسحرون} ، وقال ـ تعالى ـ: {قل مَن يرزقكم من السّماء والأرض} إلى قوله: {أفلا تتّقون} ؛ فتأمّل هذه الآيات الكريمات، وما تضمّنته من تقرير أفعال الرّبوبيّة التي لا يخرج عنها فرد من أفراد الكائنات، واعرف ما سيقت [له] ودلّت عليه من وجوب محبّته ـ تعالى ـ، وعبادته وحده لا شريك له، وترك عبادة ما عُبد من دونه من الأنداد والآلهة، والبراءة من ذلك، وانظر: هل القوم المخاطبون بهذا زعموا الاستقلال لغير الكبير المتعال، أم أقرّوا له ـ سبحانه ـ بالاستقلال والتّدبير والتّأثير؟! وإنّما أتوا من جهة الواسطة والشّفاعة والتّوسّل بدعاء غير الله وقصد سواه فيما يحتاجه العبد وما يهواه، وهذا صريح من تلك الحُجج البيّنات، ونصّ هذه الآيات المحكمات؛ احتجّ ـ سبحانه ـ بما أقرّوا به من الرّبوبيّة والاستقلال على إبطال قصد غيره بالعبادة والدُّعاء والاستغاثة ـ كما يفعله أهل الجهل والضّلال ـ.
فإن قيل: تجوز الاستغاثة بالأنبياء والصّالحين ودعاؤهم والنّذر لهم على أنّهم وسائط ووسائل بين الله وبين عباده، وأنّ الله يفعل لأجلهم! انهدمت القاعدة الإيمانيّة، وانتقضت الأصول التّوحيديّة، وانفتح باب الشّرك الأعظم، وعادت الرّغبات والرّهبات والمقاصد والتّوجيهات إلى سكان القبور والأموات، ومَن دُعي مع الله من سائر المخلوقات! وهذه هي الغاية الشّركيّة، والعبادة الوثنيّة؛ فنعوذ بالله من الضّلال والشّقاء، والانحراف عن أسباب الفلاح والهدى.