الوجه الخامس: أنّه لا فلاح ولا صلاح ولا نجاح ولا نعيم ولا لذّة للعبد إلَّا بأن يكون الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو إلهه ومحبوبه ومستغاثه الذي إليه مفزعه عند الشّدائد، وإليه مرجعه في عامّة المطالب والمقاصد. والعبد به فاقة وضرورة وحاجة إلى أن يكون الله هو معبوده ومستغاثه، وإليه إنابته ومفزعه، ولو حصلت له كلّ الكائنات وتوجّه إلى جميع المخلوقات؛ لم تسدّ فاقته، ولا تدفع ضرورته، ولا يحصل نعيمه وفرحه ويزول همّة كربه وشقاؤه إلَّا بربّه؛ الذي مَن وجده وجد كلّ شيء، ومَن فاته فاته كلّ شيء، وهو أحبّ إليه من كلّ شيء، وهذه فاقة وضرورة وحاجات لا يشبهها شيء فتقاس به؛ وإنّما تشبه من بعض الوجوه حاجة العبد إلى طعامه وشرابه وقوّته الذي يقوم بدنه به؛ فإنّ البدن لا يقوم [إلَّا] بذلك، وفقده غاية انعدام البدن وموته. وأمّا فقد محبّة الله وعبادته ودعائه؛ فعذاب وشقاء وجحيم في الآخرة والأولى، لا ينفكّ [عنه] بحال من الأحوال. قال الله ـ تعالى ـ: {اهبطا منها جميعًا بعضكم لبعض عدوّ فإمّا يأتينّكم منّي هدى فمَن تبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى} إلى قوله: {ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى} ، وقال ـ تعالى ـ: {الذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب * الذين آمنوا وعملوا الصّالحات طوبى لهم وحسن مئاب} ، وفي الحديث القدسيّ ـ حديث الأولياء ـ؛ يقول الله ـ تعالى ـ: «مَن عادى لي وليًّا فقد بارزني بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببتُه