كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش ... » الحديث.
وعلى القول بجعل الوسائط والشّفعاء بين العباد وبين الله؛ تقلع أصول هذا الأصل العظيم؛ الذي هو قطب رحى الإيمان، وينهدم أساسه الذي ركّب عليه البنيان؛ فأيّ فرح، وأيّ نعيم، وأيّ فاقة سُدّت، وأيّ ضرورة دُفعت، وأيّ سعادة حصلت، وأيّ أنس واطمئنان إذا كان التّوجّه والدُّعاء والاستغاثة والذّبح والنّذر لغير الله الحنّان المنّان؟! سبحان الله! ما أجرأ هذا المعترض على الله وعلى رسله وعلى دينه وعلى عباده المؤمنين! اللهمّ إنّا نبرأ إليك مما جاء به هذا المفتري، وما قاله في دينك وكتابك وعلى عبادك وأوليائك. قال الله ـ تعالى ـ: {لو كان فيهما آلهة إلَّا الله لفسدتا فسبحان الله ربّ العرش عمّا يصفون} ؛ فصلاح السّماوات والأرض بأن يكون الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو إلهها دون ما سواه، ومستغاثها الذي تفزع إليه وتلجأ إليه في مطالبها وحاجاتها، وقرّر المتكلّمون ـ هنا ـ: تمانع وجود ربّين مدبّرين؛ وأنّه لا صلاح للعالَم إلَّا بأن يكون الله قيومه ومدبّره، وقرّر غيرهم من المحقّقين: امتناع الصّلاح بوجود آلهة تُعبد وتُقصد وتُرجى. فالأوّل يرجع إلى الرّبوبيّة، والثّاني إلى الألوهيّة.
الوجه السّادس: أنّ الشّرع الذي جاء به محمّد صلى الله عليه وسلم، والسُّنّة التي سنّها في قبور الأنبياء والصّالحين وعامّة المؤمنين؛ تنافي هذا القول الشّنيع الذي افتراه هذا الجاهل، وتبطله وتعارضه؛ فإنّه صلى الله عليه وسلم سنّ عند القبور ما صحّت به الأحاديث النّبويّة، وجرى عليه عمل علماء الأُمّة؛ من السّلام عند زيارتها، والدُّعاء لأصحابها، وسؤال الله العافية لهم، من جنس ما شرعه من الصّلاة على جنائزهم، ونهى عن عبادة الله عند القبور، والصّلاة فيها وإليها، وخصّ قبور الأنبياء والصّالحين بلعن مَن اتّخذها مساجد يُعبد فيها ـ تعالى ـ