على المسلمين؛ لم يشرعها لأحد من أُمّته رسول ربّ العالمين، وهل سمعتم أنّ أحدًا في زمانه صلى الله عليه وسلم أو ممّن بعده في القرون المشهود لأجلها بالنّجاة والصّدق ـ وهم أعلم منّا بهذه المطالب وأحرص على نيل مثل تلك الرّغائب ـ استغاث بمَن يزيل كربته التي لا يقدر على إزالتها إلَّا الله؟! أم كانوا يقصرون الاستغاثة على مالك الأمور، ولم يعبدوا إلَّا إيّاه؟! ولقد جرت عليهم أمور مهمّة وشدائد مدلهمة في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته؛ فهل سمعتَ عن أحد منهم أنّه استغاث بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم، أو قالوا: إنّا مستغيثون بك يا رسول الله؟! أم بلغك أنّهم لاذوا بقبره الشّريف ـ وهو سيّد القبور ـ حين ضاقت منهم الصُّدور؟! كلَّا؛ لا يمكن ذلهم ذلك، وإنّ الذي كان بعكس ما هنالك؛ فلقد أثنى الله عليهم ورضي عنهم؛ فقال ـ عزّ من قائل ـ: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم} ؛ مبيّنًا لنا أنّ هذه
الاستغاثة أخصّ الدُّعاء، وأجلى أحوال الالتجاء، وهي من لوازم السّائل المضطر الذي يضطر إلى طلب الغوث من غيره؛ فيخصّ نداءه لدى استغاثته بمزيد الإحسان في سرّه وجهره؛ ففي استغاثته بغيره ـ تعالى ـ عند كربته تعطيل لتوحيد معاملته.
فإن قلتَ: إنّ للمُستغاث بهم قدرة كسبيّة وتسببيّة؛ فتنسب الإغاية إليهم بهذا المعنى.
قلنا له: إنّ كلامنا فيمَن يُستغاث به عند إلمام ما لا يقدر عليه إلَّا الله، أو لسؤال ما لا يعطيه ويمنعه إلَّا الله. وأمّا فيما عدا ذلك ما يجري فيه التّعاون والتّعاضد بين النّاس واستغاثة بعضهم ببعض؛ فهذا شيء لا نقول به، ونعد منعه جنونًا، كما نعدّ إباحة ما قبله شركًا وضلالًا، وكون العبد له قدرة كسبيّة لا يخرج بها عن مشيئة ربّ البريّة؛ لا يُستغاث به فيما لا يقدر عليه إلَّا الله، ولا يُستعان به، ولا يُتوكّل عليه، ولا يُلتجأ في ذلك إليه، فلا يُقال لأحد حيّ أو ميّت قريب أو بعيد: ارزقني، أو: أمتنى، أو: اشفِ مريضي ... إلى غير ذلك ممّا هو من الأفعال الخاصّة بالواحد الأحد الفرد الصّمد؛ بل يُقال لمَن له قدرة كسبيّة قد جرت العادة بحصولها ممّن أهّله الله لها: أعِنّى في حمل متاعي، أو غير ذلك. والقرآن