ناطق بحظر الدُّعاء عن كلّ أحد، لا من الأحياء ولا من الأموات، سواء كانوا أنبياء أو صالحين أو غيرهم، وسواء كان الدُّعاء بلفظ الاستغاثة أو بغيرها؛ فإنّ الأمور الغير مقدورة للعباد لا تُطلب إلَّا من خالق القدر ومنشئ البشر؛ كيف والدُّعاء عبادة، وهي مختصّة به ـ سبحانه وتعالى ـ، أسبل الله علينا ـ بفضله ـ عفوه ورضوانه؛ فالقصر على ما تعبّدنا فيه من محض الإيمان، والعدول عنه عين المقت والخذلان.
وهذه خلاصة ما ذكروه من جعل الاستغاثة والاستشفاع بغير الله شركًا ظاهرًا لا يُغفر، ومتعاطيه جاعل لله ندًّا؛ فيُذبَح بأمر الله ـ تعالى ـ وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب ويستغفر.
وبالجملة: فالاستغاثة والاستعانة والتّوكّل أغصان دوحة التّوحيد المطلوب من العبيد.
بقي ـ هاهنا ـ شيء يورده المجيزون على هؤلاء المانعين؛ وهو: أنّه لا شكّ أنّ مَن عبد غير الله مشرك حلال الدّم والمال، وأنّ الدُّعاء المختصّ بالله ـ سبحانه ـ عبادة، بل هو مخّ العبادة، ولكن لا نسلّم أنّ طالب الإغاثة ممّن استُغيث بهم شرك مطلقًا؛ وإنّما يكون شركًا لو كان المستغيث معتقدًا أنّهم هم الفاعلون لذلك خلقًا وإيجادًا؛ فحينئذٍ يكون من الشّرك الاعتقاديّ قطعًا، أمّا مَن اعتقدهم الفاعلين كسبًا وتسبّبًا فليس بمسلّم، ولئن سلّمنا؛ فليس المقصود من طلب الإغاثة منهم وندائهم إلَّا التّوسّل بهم وبجاههم، وإن كان اللّفظ ظاهرًا يدلّ على الطّلب منهم وأنّهم المطلوبون بهذا النّداء، لكنّ مقصود المُستغيث التّشفّع والتّوسّل بهم إلى ربّهم، و [هو] صلى الله عليه وسلم من أشرف الوسائل إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ، وقد أمرنا ـ سبحانه ـ بتطلّب ما يتوسّل به؛ فقال ـ تعالى ـ: {وابتغوا إليه الوسيلة} ؛ فكيف تحظرونها بل تجعلونها شركًا مخرجً عن الملّة، وليس في قلوب المسلمين إلَّا هذا المعنى؟! وإنّ في ذلك تكفير أكثر النّاس من غير ارتياب والتباس، وكيف تحكون على أناس قد أظهروا شعائر الإسلام ـ من أذان وصلاة وصوم وحجّ