شيء يوصل إليه في غاية الكثرة، ولو رمتُ حصر ذلك على التّمام؛ لجاء في مؤلّف بسيط؛ فلنقتصر على هذا المقدار، ونتكلّم على حكم ما يفعله القبوريّون من الاستغاثة بالأموات، ومناداتهم لقضاء الحاجات، وتشريكهم مع الله في بعض الحالات، وإفرادهم بذلك في بعضها؛ فنقول:
اعلم أنّ الله لم يبعث رسله ولم ينزّل كتبه لتعريف خلقه بأنّه الخالق لهم والرّازق لهم ونحو ذلك؛ فإنّ هذا يقرّ به كلّ مشرك ...
ثم ذكر الآيات القرآنيّة الدّالّة على إلإخلاص التّوحيد لله وحده، الذي من أجله أنزل كتبه وأرسل رسله ليكون الدّين كلّه له، وبيّن أنّ المشركين لم يكونوا يعتقدون في شركائهم الاستقلال بالضّرّ والنّفع؛ بل كانوا يعتقدون فيهم أنّهم وسائط وشفعاء إلى الله ـ عَزّ وجلّ ـ؛ كما أخبرنا عنهم بقوله: {ما نعبدهم إلَّا ليقربونا إلى الله زلفى} ، {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} . فإذا وازنتَ بين ما يفعله النّاس اليوم ـ من نداء غير الله، والاستعانة به، والاستغاثة به، والالتجاء إليه في النّوائب والشّدائد، والخضوع له عند قبره ـ، وبين ما كانت تفعله المشركون بآلهتهم؛ لم تجد فرقًا بين الفريقين.
إلى أن قال: وإذا تقرّر هذا؛ فلا شكّ أنّ مَن اعتقد في ميّت من الأموات أوحيّ من الأحياء أنّه يضرّه أو ينفعه ـ إمّا استقلالًا أو مع الله (تعالى) ـ، وناداه أو توجّه إليه أو استغاث به في أمر من الأمور التي لا يقدر عليها المخلوق؛ فلم يخص التّوحيد لله، ولا أفرده بالعبادة؛
إذ الدُّعاء بطلب وصول الخير إليه، ودفع الضّرّ عنه هو نوع من أنواع العبادة، ولا فرق بين أن يكون هذا المدعو من دون الله أو معه حجرًا أو شجرًا أو ملكًا أو شيطانًا ـ كما يفعل ذلك الجاهليّة ـ، وبين أن يكون إنسانًا من الأحياء أو الأموات ـ كما يفعله الآن كثير من المسلمين ـ، وكلّ عالم يعلم هذا ويقرّ به؛ فإنّ العلّة واحدة، وعبادة غير الله تعالى وتشريك معه غيره يكون للحيوان كما يكون للجماد، وللحيّ كما يكون للميّت؛ فمَن زعم أنّ ثمّ فرقًا بين مَن اعتقد في وثن من الأوثان