أنّه يضرّ أو ينفع، وبين مَن اعتقد في ميّت من بني آدم أوحيّ منهم أنّه يضر أو ينفع أو يقدر على أمر لا يقدر عليه إلَّا الله ـ تعالى ـ؛ فقد غلط غلطًا بيّنًا، وأقرّ على نفسه بجهل كثير؛ فإنّ الشّرك هو دعاء غير الله ـ تعالى ـ في الأشياء التي تختصّ به، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التّقرّب إلى غيره بشيء مما لا يتقرّب به إلَّا إليه.
ومجرّد تسمية المشركين لما جعلوه شريكًا ـ بالصّنم والوثن والإله ـ لغير الله زيادة على التّسمية بالوليّ والقبر والمشهد ـ كما يفعله كثير من المسلمين ـ؛ بل الحكم واحد إذا حصل لمَن يعتقد في الوليّ والقبر ما كان يحصل لمَن كان يعتقد في الصّنم والوثن؛ إذ ليس الشّرك هو بمجرّد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسمّيات؛ بل الشّرك هو أن يفعل لغير الله شيئًا يختصّ به ـ سبحانه ـ، سواء أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهليّة، أو أطلق عليه اسمًا آخر؛ فلا اعتبار بالاسم قط، ومَن لم يعرف هذا فهو جاهل لا يستحقّ أن يُخاطب بما يُخاطب به أهل العلم! وقد علم كلّ عالم أنّ عبادة الكفّار للأصنام لم تكن إلا بتّعظيمها واعتقاد أنّها تضرّ وتنفع، والاستغاثة بها عند الحاجة، والتّقريب لها في بعض الحالات بجزء من أموالهم، وهذا كلّه قد وقع من المعتقدين في القبور؛ فإنّهم قد عظّموها إلى حدّ لا يكون إلا لله ـ سبحانه ـ، بل ربّما يترك العاصي منهم فعل المعصية إذا كان في مشهد مَن يعتقده أو قريبًا منه؛ مخافة تعجيل العقوبة من ذلك [الميّت] ! وربّما لا يتركها إذا كان في حرم الله أو مسجد من المساجد أو قريبًا من ذلك! وربّما حلف بعض غلاتهم بالله كاذبًا، ولم يحلف بالميّت الذي يعتقده!
وأمّا اعتقادهم أنّها تضرّ وتنفع؛ فلولا اشتمال ضمائرهم على هذا الاعتقاد لم يدعُ أحد منهم ميّتًا أو حيًّا عند استجلابه لنفع أو استدفاعه لضرّ؛ قائلًا: يا فلان؛ افعل لي كذا وكذا، و: على الله وعليك، و: أنا بالله وبك!