وأمّا التّقرّب للأموات؛ فانظر ماذا يجعلونه من النّذور لهم وعلى قبورهم في كثير من المحلّات، ولو طلب الواحد منهم أن يسمح بجزء من ذلك لله ـ تعالى ـ؛ لم يفعل! وهذا معلوم يعرفه مَن عرف أحوال هؤلاء.
فإن قلتَ: إنّ هؤلاء القبوريّين يعتقدون أنّ الله هو الضّارّ والنّافع، والخير والشّر بيده، وإن استغاثوا بالأموات؛ قصدوا إنجاز ما يطلبونه من الله ـ سبحانه ـ.
قلتُ: وهكذا كانت الجاهليّة؛ فإنّهم يعلمون أنّ الله هو الضّارّ والنّافع، وأنّ الخير والشّرّ بيده، وإنّما عبدوا أصنامهم لتقرّبهم إلى الله زلفى؛ كما حكاه الله عنهم في كتابه العزيز.
نعم؛ إذا لم يحصل من المسلم إلَّا مجرّد التّوسّل ـ الذي قدمنا تحقيقه ـ؛ فهو كما ذكرناه سابقًا، ولكن مَن زعم أنّه لم يقع منه إلَّا مجرّد التّوسّل وهو يعتقد من تعظيم ذلك الميّت ما لا يجوز اعتقاده في أحد من المخلوقين، وزاد على مجرّد الاعتقاد؛ فتقرّب إلى الأموات بالذّبائح والنّذور، وناداهم مستغيثًا بهم عند الحاجة؛ فهذا كاذب في دعواه أنّه متوسّل فقط؛ فلو كان الأمر كما زعمه لم يقع منه شيء من ذلك؛ فالمتوسَّل به لا يحتاج إلى رشوة بنذر أو ذبح، ولا تعظيم [ولا اعتقاد؛ لأنّ المدعو هو الله ـ سبحانه ـ، وهو أيضًا المجيب، ولا تأثير لمَن وقع به التّوسّل قط؛ بل هو بمنزلة التّوسّل] بالعمل الصّالح؛ فأيّ جدوى في رشوة مَن قد صار تحت أطباق الثّرى بشيء من ذلك؟ وهل هذا إلَّا فعل مَن يعتقد التّأثير اشتراكًا أو استقلالًا؟ ولا عدل من شهادة أفعال جوارح الإنسان على بطلان ما ينطق به لسانه من الدّعاوي الباطلة العاطلة، بل مَن زعم أنّه لم يحصل منه إلَّا مجرّد التّوسّل وهو يقول بلسانه: يا فلان؛ مناديًا لمَن يعتقده من الأموات؛ فهو كاذب على نفسه، ومَن أنكر حصول النّداء للأموات والاستغاثة بهم استقلالًا؛