وأقول: هذا الكلام ـ في التّحقيق ـ ليس بتحقيق بالغ؛ بل كلام متناقض متدافع، وبيانه:
أنّه لا شك أن الكفر ينقسم إلى: كفر اعتقاد، وكفر عمل، لكن دعوى أنّ ما يفعله المعتقدون في الأموات من كفر العمل في غاية الفساد؛ فإنّه قد ذكر هذا البحث أنّ كفر مَن اعتقد في الأولياء [كفر عمليّ، وهذا عجيب؛ كيف يقول كفر مَن يعتقد في الأولياء] ، ويسمي ذلك اعتقادًا، ثم يقول: إنّه من الكفر العمليّ؟! وهل هذا إلَّا التّناقض البحت، والتّدافع الخالص؟! انظر كيف ذكر في أوّل البحث أنّ كفر مَن يدعو الأولياء، ويهتف بهم عند الشّدائد، ويطوف بقبورهم، ويقبل جداراتها، وينذر لها بشيء من ماله هو كفر عمليّ؟! فليتَ شعري! ما هو الحامل له على الدُّعاء والاستغاثة وتقبيل الجدارات ونذر النّذورات؟! هل هو مجرّد اللّعب والعبث من غير اعتقاد؟! فهذا لا يفعله إلَّا مجنون، أم الباعث عليه الاعتقاد في الميّت؟! فكيف لا يكون هذا من كفر الاعتقاد؛ الذي لولاه لم يصدر فعل من تلك الأفعال؟! ثم انظر كيف اعترف بعد أن حكم على هذا الكفر بأنّه كفر عمل ـ لا كفر اعتقاد ـ بقوله: «لكن زيّن له الشّيطان أنّ هؤلاء عباد الله الصالحين ينفعون ويشفعون؛ فاعتقد ذلك جهلًا كما اعتقده أهل الجاهليّة في الأصنام» ! فتأمّل كيف حكم بأنّ هذا كفر اعتقاد ككفر أهل الجاهليّة، وأثبت الاعتقاد، واعتذر عنهم بأنّه اعتقاد جهل؟! وليتَ شعري! أيّ فائدة لكونه اعتقاد جهل؛ فإنّ طوائف الكفر بأسرها وأهل الشّرك قاطبة إنّما حملهم على الكفر ودفع الحق والبقاء على الباطل: الاعتقاد جهلًا، وهل يقول قائل: إنّ اعتقادهم اعتقاد علم حتى يكون اعتقاد الجهل عذرًا لإخوانهم المعتقدين في الأموات، ثم تمّم الاعتذار بقوله: «ولكن هؤلاء مثبتون للتّوحيد ... » إلى آخر ما ذكر.
ولا يخفاك أنّ هذا عذر باطل؛ فإنّ إثباتهم للتّوحيد إن كان بألسنتهم فقط؛ فهم مشتركون في ذلك هم واليهود والنّصارى والمشركون والمنافقون، وإن كان بأفعالهم؛ فقد اعتقدوا في