ـ قوله (تعالى) : {ولا تقولوا لمَن يُقتل} إلخ ـ؛ قال ما نصّه: «أي: لا تقولوا في شأنهم: هم أموات. وقالوا: إنّ اللّام في (لمَن) للتّعليل لا للتّبليغ. والمعنى ظاهر، والتّركيب مألوف، بل هم أحياء في عالم غير عالمكم، ولكن لا تشعرون بحياتهم؛ إذ ليس في عالم الحسّ الذي يدرك بالمشاعر. ثم لا بُدّ أن تكون هذه الحياة حياة خاصّة غير التي يعتقدها جميع المليين في جميع الموتى من بقاء أرواحهم بعد مفارقة أشباحهم؛ ولذلك ذهب بعض النّاس [إلى] أنّ حياة الشّهداء تتعلّق بهذه الأجساد، وإن فنيت أو احترقت وأكلتها السّباع والحيتان؛ وقالوا: إنّها حياة لا نعرفها، ونحن نقول مثلهم: إنّنا لا نعرفها، ونزيد: أنّنا لا نثبت ما لا نعرف.
وقال بعضهم: إنّها حياة يجعل الله بها الرّوح في جسم آخر يتمتّع به ويرزق. ورووا في هذا روايات؛ منها: الحديث الذي أشار إليه المفسّر الجلال؛ وهو أنّ أرواح الشّهداء عند الله في حواصل طيور خضر تسرح في الجنّة كيف شاءت.
وقيل: إنّها حياة الذّكر الحسن والثّناء بعد الموت.
وقيل: إنّ المراد بالموت والحياة: الضّلال والهدى؛ روي هذا عن الأصمّ. أي: لا تقولوا: إنّ باذل روحه في سبيل الله ضالّ؛ بل هو مهتدٍ.
[وقيل: إنّها حياة روحانيّة محضة] .
وقيل: إنّ المراد: أنّهم سيحيون في الآخرة، وأنّ الموت ليس عدمًا محضًا كما يزعم بعض المشركين؛ فالآية عند هؤلاء على حدّ: {إنّ الأبرار لفي نعيم * وإنّ الفجّار في جحيم} ؛ أي: [إنّ] مصيرهم إلى ذلك.