قال الأستاذ الإمام ـ بعد ذكر الخلاف ـ: وقال بعض العلماء الباحثين في الرّوح: إنّ الرّوح إنّما تقوم بجسم [لطيف] أثيري [في صورة هذا الجسم المركّب الذي يكون عليه الإنسان في الدُّنيا، وبواسطة ذلك الجسم الأثيري] تجول الرّوح في هذا الجسم الماديّ، فإذا مات المرء وخرجت روحه؛ فإنّما تخرج بالجسم الأثيري، وتبقى معه، وهو جسم لا يتغيّر ولا يتبدّل ولا يتحلّل، وأمّا هذا الجسم المحسوس فإنّه يتحلّل ويتبدّل في كل عدّة سنين.
قال: ويقرب هذا القول من مذهب المالكيّة؛ فقد رُوي عن مالك ـ رحمه الله تعالى ـ أنّه قال: إنّ الرّوح صورة كالسجد؛ أي: لها صورة، وما الصّورة إلَّا عرض، وجوهر هذا العرض هو الذي سمّاه العلماء بالأثير، وإذا كان من خواص الأثير النّفوذ في الأجسام اللّطيفة والكثيفة ـ كما يقولون ـ، حتى إنّه هو الذي ينقل النّور من الشّمس إلى طبقة الهواء؛ فلا مانع أن تتعلّق به الرّوح المطلقة في الآخرة، ثم هو يحلّ بها جسمًا آخر تنعم به وترزق، سواء كان جسم طير أو غيره، وقد قال ـ تعالى ـ في آية أخرى: {بل أحياء عند ربّهم يُرزَقون} . وهذا القول يقرّب معنى الآية من العلم.
والمعتمد عند الأستاذ الإمام في هذه الحياة: هو أنّها حياة غيبيّة، تمتاز بها أرواح الشّهداء على سائر أرواح النّاس، بها يُرزقون وينعمون، ولكنّنا لا نعرف حقيقتها، ولا حقيقة الرّزق الذي يكون بها، ولا نبحث عن ذلك؛ لأنّه من عالم الغيب الذي نؤمن به، ونفوّض الأمر فيه إلى الله [تعالى] .