العلم عنكم أُخذ والعلم يُؤتَى ولا يَأتي» ؛ فلما بلغه كتاب مالك قال: صدق؛ وتوجه إلى المدينة؛ فسمع منه الموطأ، ثم أعطاه صلة عظيمة من الدنانير؛ فأخذها ووضعها في بيته ولم يتصرف فيها، ثم توجه أمير المؤمنين إلى مكة فحجَّ البيت ثم عاد إلى المدينة، وكلَّف الإمام بالذهاب معه إلى بغداد؛ فقال له مالك: «أما أنا فلا أخرج من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الدنانير التي أعطيتنيها فهي موجودة لم
أتصرف في شيء منها» .
وهذا الإمام أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ لمَّا طُلِبَ إلى القضاء فلم يقبل فحُبِسَ وضُرِبَ على ذلك. فهكذا تكون العلماء؛ كما قال بعض الصّالحين: «ما أحسن الأمير عند باب [العالم] ! وما أقبح العالم عند باب الأمير» .
فصل
وهذا الذي قلته إنَّما هو بعض ما قاله أهل العلم في وصف هؤلاء المفتونين المغرورين، وقد رأيت من الصواب أن أنقل بعض عبارات من كلام الإمام حجَّة الإسلام أبي حامد الغزالي ـ رحمه الله تعالى ورضي عنه ـ في كتابه «الإحياء»