شيء منها أقوالهم فذاك؛ وإلا فليس له مخرج. وهذ االذي ذكرته إنما هو شيء يسير من المفاسد التي حصلت من أهل التقليد.
بل هناك مفاسد أخرى تزيد بأضعاف مضاعفة عمَّا وصفته؛ فكم أُخرجت رجال من العلماء من بلادهم ظلمًا وعدوانًا، وكم تركت رجال من العلماء في غيابات السجن؛ فمنهم من مات فيه، ومنهم من فرَّج الله عنه، وكم من دماء قد سفكت، وبلاد للمسلمين في يد العدو قد سقطت. وهذا كله إنَّما هو من شؤم التقليد والانتصار لغير الله ورسوله.
فلو أراد هؤلاء بفعلهم هذا الانتصار لله ورسوله؛ ما حصل من ذلك شيء؛ لأن الله يقول ـ وبقوله يهتدي المؤمنون ـ: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} ، وقال ـ تعالى ـ: {كتب الله لأغلبنَّ أنا ورُسلي} ، وقال جلَّ ثناؤه: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} ؛ فقوله حق ووعده صدق، فلما تغلب العدو على بلاد هؤلاء وغيرها من البلدان التي كانت عند المسلمين ـ وحيث أنه لم يكن ذاك كذلك ـ؛ علمنا قطعًا أن هرؤلاء ما أرادوا بفعلهم هذا وجه الله؛ بل أرادوا التقرب إلى الملوك والولاة وأرباب الدينا؛ فإذا وَلِيَ إمام حنفي قاموا لنصرة أبي حنيفة وأتباعه، وطعنوا [في] الشافعية؛ لأنهم إذ ذاك أهل شوكة، وإذا وَلِيَ إمام شافعي قامت الشافعية على الحنفية؛ فاقتصوا منهم بأضعاف ما فعلت الحنفية فيهم؛ جزاء وفاقًا، وهكذا كلَّما حُبِّبَ إلى أيّ إمام شيء من العلوم تراهم يهرعون إليه، يحسنون هذا العلم له، ويضعون فيه الكتب والرسائل؛ فأين هؤرء من علماء السلف الذين كانوا إذا طُلِبُوا هَربوا، وإذا دُعوا إلى أبواب الأمراء لم يُجِيبوا؛ فكم حُبِسَ بعضهم وضُرِبَ من أجل أنه لم يقبل القضاء! ورُوي عن الإمام مالك بن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه لما طلبه الخليفة هارون الرشيد إلى بغداد ليسمع منه الموطأ؛ فأرسل له مالك بقوله: «يا بَني العباس