" قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} " في هذه الآية بيان سعة جهنم وأنها تستوعب كلَّ ما يلقى فيها، وهذا أبلغ ما يكون في وصف سعة النار، يذكر أنَّ رجلاً جمع مجموعة من الأدباء وطلب منهم المبالغة في وصف سعة جهنم، فبذل كل منهم ما استطاع من المبالغة في بيان سعتها، كلٌّ بما تجود به قريحته، فلما انتهوا قال: ما رأيكم في قول الله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [1]. فذهلوا وأذعنوا لهذا الوصف الباهر، فمهما يلقى فيها تستوعبه وتطلب الزيادة، وقد وعدها الله بملئها فقال سبحانه: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [2]، ومِنْ شأنها أنها يلقى فيها حتى يكتمل أهل النار الذين هم أهلها وهي تطلب المزيد، ولا تكتفي حتى يضع الجبار عليها قدمه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد. حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، بعزتك وكرمك. ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقاً، فيسكنهم فضل الجنة" [3].
بهذا يتحقق وعد الله لها بالامتلاء، أما الجنة فقد اقتضت حكمته سبحانه أن ينشئ لها خلقاًَ يدخلونها فتمتلئ؛ فهي دار فضله، والله عز وجل يتفضل بها على من يشاء.
والشاهد من الآية: قول النار: " هل من مزيد " فهي تنطق به، فأين اللازم الذي ذكروه من لزوم المخارج، فالنار تتكلم وليس لها شيء من ذلك.
" وكذلك قال عز وجل إخباراً عن السماء والأرض أنهما: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} " فالقول هنا بلسان المقال، تقوله السماء والأرض حقيقة. [1] الآية 30 من سورة ق. [2] الآية 13 من سورة السجدة. [3] أخرجه البخاري " رقم 7384 "، ومسلم " رقم 7108 " واللفظ له.