لما فرغ المصنف ـ رحمه الله ـ من الكلام عن مسيح الضلالة الدجال انتقل للحديث عن نزول مسيح الهداية عيسى عليه السلام، وفي ذكر عيسى عليه السلام عقب الدجال مراعاة من المصنف للترتيب؛ فإنَّ نزول عيسى عليه السلام يكون بعد خروج الدجال، ويكون قتله على يده عليه السلام.
وإنَّما سمي عيسى عليه السلام مسيحاً لأنَّه إذا مسح على المريض يبرأ بإذن الله وقيل: أقوال أخرى.
وهو آخر الرسل قبل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأحد أولي العزم من الرسل الذين ذكروا في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} [1] وقوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا} [2].
وقد وُجد من أم بلا أب، وكان هذا سبباً في اختلاف الناس فيه اختلافاً كبيراً، فادعى فيه اليهود أنَّه ابن بغي وأنَّ أمه حملت به من الزنا، وحاولوا قتله. فكذبهم الله تعالى في كتابه، فقال فيما ذكره عن أمه مريم: {وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} [3]. وادعى النصارى أنَّه ابن الله، وأنَّه جزء منه.
والقول الحق فيه هو قول أهل الإسلام، وهو أنَّه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. فهو عبد من بني آدم، ولد من أم بلا أب.
حاول اليهود قتله، فرفعه الله عز وجل إليه إلى السماء حقيقة بروحه وجسده حياً، وشُبِّه عليهم برجل بقي مكانه فقتلوه وظنوا أنهم قتلوا عيسى ابن مريم، قال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [4] وقال سبحانه: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [5]. فهو [1] الآية 7 من سورة الأحزاب. [2] الآية 13 من سورة الشورى. [3] الآية 20 من سورة مريم. [4] الآية 157 من سورة النساء. [5] الآيتان 157، 158 من سورة النساء.