وآخرها يقضي بعدم التعطيل.
فيتضح من الآية أنّ الواجب إثبات الصفات حقيقة من غير تمثيل، ونفي المماثلة من غير تعطيل. وبيّن عجز الخلق من الإحاطة به جلّ وعلا، فقال: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [1] ... "[2].
ويقول -رحمه الله- في موضع آخر:
"إن الحقّ الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة إثبات هذه الصفات التي أثبتها تعالى لنفسه، والإيمان بها من غير تكييف[3]، ولا تشبيه[4]، ولا تعطيل[5]، ولا تمثيل[6] ... "[7].
ويزيد -رحمه الله- هذا المعنى إيضاحا، مبينا الطريقة الصحيحة لفهم الصفات، والضابط الذي نميز به صفات الله سبحانه وتعالى حتى نعتقدها في قلوبنا، ونتعبد بها في جوارحنا، فيقول: "ومن اعتقد أنّ وصف الله يشابه صفات الخلق، فهو مشبه ملحد ضال. ومن أثبت ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مع تنزيهه جلّ وعلا عن مشابهة الخلق، فهو مؤمن جامع بين الإيمان بصفات الكمال والجلال والتنزيه عن مشابهة الخلق سالم من ورطة التشبيه والتعطيل، والآية التي أوضح الله بها هذا هي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فنفى عن نفسه جلّ وعلا مماثلة الحوادث بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وأثبت لنفسه صفات الكمال والجلال بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فصرح في [1] سورة طه، الآية [110] . [2] محاضرة (الإسلام دين كامل) ص 9-10. وانظر أضواء البيان 2/321، 3/411. ومنع جواز المجاز- الملحق بأضواء البيان 10/54. [3] التكييف: هو تعيين كيفية الصفة. [4] التشبيه: هو تشبيه الشيء بالشي لمشابهته من بعض الوجه وهو يقتضي التماثل. [5] التعطيل: هو نفي الصفات، أو بعضها عن الله سبحانه وتعالى. [6] التمثيل: هو أن يقال: إنّ صفات الله مثل صفات المخلوقين، كأن يقول: يد الله كأيدينا. فالمماثلة تقتضي المساواة من كلّ وجه، بخلاف المشابهة. وقد أخذت هذه التعريفات الأربعة من التحفة المهدية لابن مهدي ص259. وشرح العقيدة الواسطية، للشيخ صالح الفوزان ص14. [7] منع جواز المجاز ص9.