ولاحظ في ذلك قولي قبله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . وهذا تعليم قرآني لا يترك في الحق لبسا ولا شبهة، فأول الآية الكريمة الذي هو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} تنزيه تام غير تشبيه ولا تمثيل، فيجب علينا أن نعتقد ما دلّ عليه أولها من التنزيه، وما دل عليه آخرها من إثبات الصفات، والإيمان بها على أساس ذلك التنزيه، فلا نتنطع بين يدي خالقنا وننفي عنه صفة الكمال (التي) أثنى بها على نفسه، ولا نشبه خالقنا بخلقه، بل نجمع بين التنزيه أولا والإيمان بالصفات ثانيا حسبما دلت عليه آية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [1].
وبعد هذا الشرح المستفيض من الشيخ -رحمه الله- لهذين الأساسين العظيمين يوضح الأساس الثالث فيقول -رحمه الله-: "هو أن تعلم أن العقول البشرية عاجزة عن إدراك كيفية اتصاف الله جلّ وعلا بتلك الصفات؛ لأن قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [2]صريح في أن إحاطة علم البشر به جلّ وعلا منفية نفيا باتا قرآنيا"[3].
ثم بين -رحمه الله- أن من أخلّ بأحد هذه الأسس فقد جانب الصواب، وسار على غير هدى، فيقول –مخبرا عن هذه الأسس-: "من جاء بها كلها فقد وافق الصواب، وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، ومن أخلّ بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضلّ" [4]. [1] آداب البحث والمناظرة 2/127-128. [2] سورة طه، الآية [110] . [3] آداب البحث والمناظرة 2/128، وانظر هذه الأسس الثلاثة أيضاً في (منهج ودراسات) ص9-10 ومعارج الصعود ص114. وتفسير سورة النور –جمع د/عبد الله قادري- ص138-140. [4] منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات، ص9.