مشابهة خلقه، في ضوء قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، ونحوها من الآيات. فإذا استحكم هذا الأساس الأعظم في قلب المؤمن كان استحكامه فيه سببا لتوفيقه للأساس الثاني"[1].
ثمّ بيّن -رحمه الله- الأساس الثاني، فقال: "ونعني بالأساس الثاني المذكور تصديق الله فيما أثنى به على نفسه، وتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أثنى على ربه، والإيمان بتلك الصفات الثابتة في القرآن العظيم والسنة إيمانا مبنيا على أساس ذلك التنزيه" [2].
ثم يزيد -رحمه الله- هذين الأساسين إيضاحا، ويشرع في شرحهما شرحا وافيا فيقول: "فهذان أساسان عظيمان: الأول: تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه، والثاني: الإيمان بصفاته الثابتة في الوحي الصحيح إيمانا مبنيا على أساس ذلك التنزيه، بعيدا كل البعد عن مشابهة الخلق، وكيف يخطر في ذهن المؤمن العاقل مشابهة الخلق لخالقهم، فالصنعة لا تشبه صانعها بحال، وهذان الأساسان أوضحهما الله في محكم كتابه إيضاحا لا يترك في الحق لبسا ولا شبهة، وذلك في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} لأن قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فيه سر أعظم، وتعليم أكبر في أوضح عبارة وأوجزها لا يترك في الحق لبسا.
وإيضاح ذلك أنّ السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر صفتان يتصف بهما جميع الحيوانات –ولله المثل الأعلى- فكأنّ الله يقول: يا عبدي لا يخطر في عقلك أن سمعي وبصري يشابهان أسماع المخلوقين وأبصارهم حتى تقول إنّ هذا النص يوهم غير اللائق فتؤوله أو تنفيه، بل أثبت لي سمعي وبصري كما أثنيت بهما على نفسي إثباتاً مبنيا على أساس التنزيه، [1] آداب البحث والمناظرة 2/127-128. [2] المصدر نفسه 2/128.