ووقعوا في أعظم منه وهو التعطيل، إذ عطلوا صفات الله سبحانه التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم وجعلوا ذلك غاية التوحيد عندهم.
ولا شك أن من شبه الله بخلقه فقد أشرك، ولكن ذلك ليس لازما من إثبات صفات الله تعالى، فله سبحانه صفاته التي تليق بجلاله وعظمته ووحدانيته، والمخلوق له صفاته التي تناسبه، ولا يلزم من توافقها في الاسم توفقها في الحقيقة، بل إن المخلوقات نفسها قد تتوافق في الأسماء مع تباين الحقائق واختلافها كما هو معلوم.
والواقع أن المعتزلة أنفسهم بقولهم هذا قد وقعوا في التشبيه أيضا، بل في أقبحه، فهم حين أثبتوا لله تعالى ذاتا مجردة من الصفات، وهذا لا يتصور إلا في الأذهان ولا حقيقة له في الخارج، فهم بفعلهم هذا قد شبهوا الله تعالى بالمعدومات، مما قد يؤدي بهم إلى نفي وجود الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
الجهمية:
الجهمية هم أتباع الجهم بن صفوان تلميذ الجعد بن درهم، أول من قال بتعطيل الصفات، وأخذها عنه الجهم، وأظهرها فنسبت إليه، وقيل إن الجعد بن درهم أخذ عن أبان بن سمعان، وأبان أخذها عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وهو اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فهي ترجع في أصلها إلى اليهود.
ولما أظهر الجعد بن درهم مقالته في نفي الصفات في زمن هشام بن عبد الملك، وكان الجعد في مدينة واسط، وعامل هشام عليها خالد