والمأمور بالقتال هم المؤمنون الذين ليسوا من إحدى الطائفتين، أمر الله تعالى بأن يقاتلوا من بغى على أخيه، وتعدى بقتال، ولم يقبل الصلح بالعدل، فقتال مثل هؤلاء من باب الجهاد، ونصر المظلوم.
أما إذا وقع بغي ابتداء بغير قتال مثل أخذ المال أو رئاسة بظلم فهذا لم يأذن الله تعالى بقتالهم على ذلك بل أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم - مع ذكره لظلمهم بالصبر وإعطائهم حقوقهم وأن يطلب المظلوم حقه من الله تعالى ولم يأذن للمظلوم المبغي عليه بقتال الباغي في مثل هذه الصور التي يكون القتال فيها قتال فتنة وحذر من الخروج على الأئمة؛ وإن كانوا ظلمة وجائرين يضربون الظهور ويأخذون المال ويمنعون الحقوق؛ بل نهى عن معصيتهم حينئذ ونزع يد الطاعة منهم ما لم يأمروا بمعصية الله تعالى, فعند ذلك لا طاعة لهم ولا يسمع لقولهم وكذلك إذا ارتدوا عن الإسلام وكفروا به صراحة فلا يجوز أن يكونوا حينذاك أئمة على المسلمين، فطاعتهم مقيدة بأن لا يأمروا بمعصية الله تعالى, فهم لا يطاعون في كل شيء وإنما يطاعون إذا أمروا بطاعة الله أو بما ليس فيه معصية لله تعالى، أما إذا أمروا بمعصية الله تعالى فلا سمع لهم ولا طاعة.
وكذلك النهى عن الخروج عليهم مقيد بكونهم مسلمين مصلين، أما إذا كفروا كفراً صريحا وارتدوا ردةً واضحة جلية فلا يجوز حينئذ أن يكونوا ولاة على المسلمين وعلى هذا دلت النصوص عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
جاء في صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب قال: "بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء فقال: أجمعوا لي حطبا، فجمعوا له ثم قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا ثم قال: ألم يأمركم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فأدْخلوها، قال: فنظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من النار، فكانوا كذلك، وسكن غضبه وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي- لصلى الله عليه وسلم - فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف"[1].
وفيه أيضا عن أم سلمة أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "سيكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا ننابذهم؟ قال: لا ما صلوا". [1] صحيح مسلم جـ7 ص 227.