وفيه أيضا عن عوف بن مالك سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلُّون عليكم وتصلُّّون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولى عليه والٍ فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية ولا ينزعن يداً من طاعة".
قال النووي: "أجمع العلماء على وجوب طاعة ولاة الأمور من غير معصية وعلى تحريمها في المعصية، نقل الإجماع القاضي عياض وآخرون" قال: "وتجب طاعتهم فيما يشق على النفوس وما تكرهه وغيره فيما ليس بمعصية، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة، كما صرح به في الأحاديث، فتحمل الأحاديث التي فيها إطلاق السمع والطاعة على المقيدة، وفي حديث عبادة قال: "بايعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن ترون كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان".
ونقل النووي عن عياض أنه قال: "أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل "إ. هـ يعني انعزل حكما، لأنه لا يجوز أن يتولى الكافر على المسلمين، فولي الأمور هو الذي يقيم الحدود ويقود المسلمين في جهاد أعدائهم ويذود عن بلادهم، فإذا لم يكن على دينهم لا يتوقع منه فعل ذلك.
والمقصود أن النبي- صلى الله عليه وسلم - حذر من الخروج عن الطاعة ومفارقة الجماعة وذم ذلك وجعله من أمر الجاهلية، لأن أهل الجاهلية لم يكن لهم رئيس يجمعهم وشأنهم التفرق والاختلاف، ويرون السمع والطاعة مهانة وذِلَّة والخروج عن الطاعة وعدم الانقياد عندهم فضيلة يمتدحون بها.
فجاء الإسلام مخالفا لهم في ذلك آمرا بالصبر على جور الولاة والسمع والطاعة لهم في غير معصية والنصح لهم، وبالغ صلوات الله وسلامه عليه في ذلك حتى قال فيما أوصى به في حجة الوداع: "اسمعوا وأطيعوا لمن ولاه الله أمركم، وإن كان عبدا حبشيا مُجْدِع الأطراف ".
مع أنه- صلى الله عليه وسلم - كان دائما يأمر بإقامة رئيس حتى في الجماعة القليلة والمدة القصيرة ويحث على طاعته، كما أمر المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمروا أحدهم، مبالغة في طلب الاجتماع وحرصا على عدم الفرقة ومخالفة لأمر الجاهلية وتقدم الحديث الذي في صحيح