نام کتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب نویسنده : الأشعري، أبو الحجاج جلد : 1 صفحه : 159
الإجماع الثامن والثلاثون
وأجمعوا على أن على العباد[2] حفظة يكتبون أعمالاً[3]، وقد دل على ذلك بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ} [4].
الإجماع التاسع والثلاثون
وأجمعوا على أن عذاب القبر حق، وأن الناس يفتنون في قبورهم بعد أن يحيون فيها ويسألون، فيثبت الله من أحب تثبيته[5]. [2] في (ت) : "للعباد". [3] في (ت) : "أعمالهم". [4] سورة الانفطار آية: (10، 11) .
أجمع أهل السنة على وجود ملائكة كرام يكتبون أعمال العباد كما نطق بذلك القرآن الكريم، وهذه الكتابة سيوقف عليها العبد يوم القيامة وهي المرادة في قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} (انظر تفسير الطبري 15/53) .
وقال الطحاوي: "ونؤمن بالكرام الكاتبين فإن الله جعلهم علينا حافظين". (انظر شرح الطحاوية ص337) .
وقال ابن حزم: "وأما كتاب الملائكة لأعمالنا فحق…، وكل هذا مما لا خلاف فيه بين أحد ممن ينتمي إلى الإسلام، إلا أنه لا يعلم أحد كيفية ذلك الكتاب". (انظر الفصل 4/66) .
وهذه الكتابة عامة شاملة لكل شيء صغيراً كان أو كبيراً.
وقال السفاريني: "وظاهر النص أنهما يكتبان أفعال العباد من خير أو شر، أو غيرهما قولاً كان أو عملاً أو اعتقاداً، همّاً كانت أو عزماً أو تقريراً فلا يهملان من أفعال العباد شيئاً في كل حال، وعلى كل حال، ولهذا قال مجاهد: يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه". (انظر لوامع الأنوار البهية 1/450) ، ومن أراد الوقوف على تفصيل أكثر فليرجع إلى: (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 19/245، 246، وشرح الطحاوية ص337، ولوامع الأنوار البهية 1/446- 453) . [5] اتفق أهل السنة على ما ذكره الأشعري أعلاه. قال الإمام أحمد: "وعذاب القبر حق، يسأل العبد عن دينه وعن ربه، وعن الجنة وعن النار، ومنكر ونكير حق، وهما فتانا القبر، نسأل الله الثبات". (انظر رسالة السنة ص72، 73) .
وقال ابن أبي زمنين: "وأهل السنة يؤمنون بعذاب القبر، أعاذنا الله وإياك من ذلك. قال عز وجل: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} وقال: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (انظر أصول السنة/ ق/ 7/ ب) .
وقال الطحاوي: "ونؤمن بعذاب القبر لمن كان له أهل، وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضوان الله عليهم". (شرح الطحاوية ص334، وانظر باب التصديق والإيمان بعذاب القبر للآجري في كتاب الشريعة ص358، والفرق بين الفرق للبغدادي ص348، والاعتقاد للبيهقي ص107- 111) .
وقال ابن القيم بعد روايته لبعض أحاديث عذاب القبر: "وهذا كما أنه مقتضى السنة الصحيحة فهو متفق عليه بين أهل السنة" (انظر الروح ص57) .
وقد أنكر الزنادقة عذاب القبر، وذكر الإمام أحمد أن ذلك ورد عن المعتزلة. (انظر رسالة السنة ص81) ، ولعل هذا ورد عن بعضهم لا عن جميعهم. (انظر المقالات 2/116) ، وقد حكاه ابن حزم عن ضرار بن عمرو الغطفاني أحد شيوخ المعتزلة، وكذلك حكاه عن الخوارج (انظر الفصل 4/66، والروح لابن القيم ص57، 58) . وقدر تعرض السفاريني للشبه التي أوردها المنكرون لعذاب القبر ورد عليها. (انظر لوامع الأنوار 2/107- 111) .
أما فتنة القبر فهي كما ذكر الإمام أحمد سؤال منكر ونكير، ومن المعلوم أن السؤال يتم للروح والجسد معاً، وقد أجمع جمهور الأمة على ذلك وشذ ابن حزم فقال: إن الميت لا يحيا في قبره… ولم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر يصح أن أرواح الموتى ترد إلى أجسادهم… (انظر الفصل 4/67، 68) ، وقد رد عليه ابن القيم رداً قوياً مبيناً خطأه في ذلك وموضحاً لإجمال قوله إن الميت لا يحيا في قبره، لأنه إن أراد الحياة المعهودة في الدنيا فهذا خطأ، وإن أراد الحياة التي يتم بها السؤال في القبر فهذا حق ونفيه خطأ، وأما تضعيف ابن حزم لحديث إعادة الأرواح إلى الأجساد لتفرد المنهال بن عمرو به وقوله إنه لم يأت خبر صحيح بذلك فكلام غير صحيح، وقد رد عليه ابن القيم قائلاً: "… فهذا من مجازفته - رحمه الله - فالحديث صحيح لا شك فيه، وقد رواه عن البراء بن عازب جماعة غير زاذان منهم عدي بن ثابت ومحمد بن عقبة ومجاهد"، ثم ساق ابن القيم الحديث بطرقه ليبين صحة ما ذهب إليه. (انظر كتاب الروح ص42- 46) .
وقال السفاريني: "والإيمان بمنكر ونكير واجب شرعي لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار يبلغ مجموعها مبلغ التواتر، وقد استنبط ذلك واستدل عليه بقوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ …} " (انظر لوامع الأنوار 2/5) .
ويلاحظ أن الأشعري سبق إلى الاستدلال على سؤال القبر بهذه الآية، كما هو واضح من كلامه، وهو ما قرره علماء التفسير. (انظر تفسير الطبري 13/213، وتفسير القرطبي 9/363، وابن كثير 4/412، وغير ذلك) .
وأخرج البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} " (انظر البخاري كتاب التفسير 5/220، وكتاب الإيمان لابن مندة 3/941) .
نام کتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب نویسنده : الأشعري، أبو الحجاج جلد : 1 صفحه : 159