معه هامان، انظروا إلى الحجاج معه يزيد بن أبي مسلم شر منه، انظروا إلى سليمان بن عبد الملك صحبه رجاء بن حيوة فقومه وسدده.
ويقال: إن الخلة مأخوذة من تخلل المودة القلب وتمكنها منه: وهي أعلى درج الإخاء، وذلك أن الناس في الأصل أجانب، فإذا تعارفوا ائتلفوا فهم أوداء، وإذا تشاكلوا فهم أحباء، فإذا تأكدت المحبة صارت خلة"[1].
وقد قيل:"الناس كأسراب القطا"لما جبلوا عليه من تشبه بعضهم ببعض ومحاكات بعضهم لأفعال بعض. ولهذا كان المبتديء بالخير وبالشر له مثل، من تبعه من الأجر والوزر[2].
قال بعض الحكماء:"عمادة المودة المشاكلة، ركل ود عن غير تشاكل فهو سريع التصرم"[3].
قلت: وإنما جاء النهي عن مخالطة قرناء السوء والتحذير من مجالستهم، لأن طباع الإنسان مجبولة على الإقتداء والتشبه بمن يقارن، فمجالسة طلاب العلم تحرك في النفس الحرص على طلب العلم، ومجالسة الزهاد تزهد في الدنيا، ومجالسة المبتدعة وأهل الأهواء تردي في مهاوي البدع، ومجالسة الحريص على الدنيا تحرك في النفس الحرص على الدنيا، وهكذا.
فلهذا لزم المرء أن يختار من القرناء والخلطاء من يكون له في خلطتهم خير ونفع، وأن يحذر أشد الحذر من قرناء السوء. [1] العزلة (ص 56) . [2] انظر الاستقامة لابن تيمية (2/255) . [3] العزلة للخطابي (ص 62) .