أنا ولي أو أنا تقي، ولا يجزم أحد أنه كمل مراتب التقوى وأتم مراتب الولاية إلا من خسف عقله وقل خوفه، فكذلك لا يجزم أنه كمل مراتب الإيمان وأتم درجاته، فعندئذ لزمه الاستثناء في إيمانه مخافة واحتياطاً.
فهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون في الإيمان لأن الإيمان عندهم قول وعمل؛ والقول كل يجزم أنه أتى به، وأما العمل فلا، إذ الناس متفاوتون في القيام به تفاوتاً عظيماً، وأقوال السلف في هذا كثيرة.
قال الإمام أحمد: "أذهب إلى حديث ابن مسعود في الاستثناء في الإيمان، لأن الإيمان قول وعمل، والعمل الفعل فقد جئنا بالقول ونخشى أن نكون قد فرطنا في العمل فيعجبني أن نستثني في الإيمان، بقول: أنا مؤمن إن شاء الله"[1].
وقال: "لو كان القول كما تقول المرجئة أن الإيمان قول ثم استثنى بعد على القول لكان هذا قبيحاً أن تقول لا إله إلا الله إن شاء الله ولكن الاستثناء على العمل"[2].
وقال: "لا نجد بداً من الاستثناء لأنه إذا قال أنا مؤمن فقد جاء بالقول، فإنما الاستثناء بالعمل لا بالقول"[3].
وقال له رجل: قيل لي أمؤمن أنت؟ قلت: نعم. هل علي في ذلك شيء هل الناس إلا مؤمن وكافر؟ فغضب أحمد وقال: هذا كلام [1] رواه الخلال في السنة (3/600) ، وابن هانىء في مسائله (2/162) ، وذكره شيخ الإسلام، انظر الفتاوى (7/447) . [2] رواه الخلال في السنة (3/ 601) . [3] رواه الخلال في السنة (3/597) .