لهذا الثاني الذي لا يعلم هل أتى به أم لا، وهو جائز أيضاً لما يتيقنه، فلو استثنى لنفس الموجود في قلبه جاز كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله"وهذا أمر موجود في الحال ليس بمستقبل وهو أخشانا،
فإنه لا يرجو أن يصير أخشانا لله، بل هو يرجو أن يكون حين هذا القول أخشانا لله، كما يرجو المؤمن إذا عمل عملاً أن يكون الله تقبله منه ويخاف أن لا يكون تقبله منه"[1].
وعن محمد بن الحسن بن هارون قال: سألت أبا عبد الله عن الاستثناء في الإيمان؟ فقال: نعم الاستثناء على غير معنى شك مخافةً واحتياطاً للعمل، وقد استثنى ابن مسعود وغيره وهو مذهب الثوري، قال الله عز وجل {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [2]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إني لأرجو أن كون أتقاكم لله" [3] وقال في البقيع: "عليه تبعث إن شاء الله" [4].
قال شيخ الإسلام موضحاً كلام الأمام أحمد هذا: "فقد بين أحمد أنه يستثني مخافةً واحتياطاً للعمل، فإنه يخاف أن لا يكون قد كمل المأمور به، فيحتاط بالاستثناء وقال على غير معنى شك يعني من غير شك مما يعلمه الإنسان من نفسه، وإلا فهو يشك في تكميل العمل الذي خاف أن لا يكون كمله، فيخاف من نقصه ولا يشك في أصله"[5]. [1] الفتاوى (7/ 452) . [2] سورة الفتح، الآية: 27. [3] تقدم تخريجه قريباً. [4] رواه الخلال في السنة (3/593) ، وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/289) . [5] الفتاوى (7/ 450) .