ويهدم أساس الإلحاد والضلالات.
والله سبحانه وتعالى لا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه، فإن الله لا مثل له، بل له المثل الأعلى، فلا يجوز أن يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده، ولكن يُستعمل في حقه المثل الأعلى، وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال فالخالق أَوْلى بالتنزيه عنه، فإذا كان المخلوق منزهاً عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم، فالخالق أَوْلى أن يُنزّه عن مماثلة المخلوق وإن حصلت موافقة في الاسم.
وهكذا القول في المثل الثاني وهو الروح التي فينا، فإنها قد وصفت بصفات ثبوتية وسلبية، وقد أخبرت النصوص أنها تعرج وتصعد من سماء إلى سماء، وأنها تُقبض من البدن، وتُسل منه كما تُسل الشعرة من العجين.
والناس مضطربون فيها:
فمنهم طوائف من أهل الكلام يجعلونها جزءاً من البدن، أو صفة من صفاته، كقول بعضهم: إنها النفس أو الريح التي تتردد في البدن، وقول بعضهم: إنها الحياة أو المزاج، أو نفس البدن.
ومهم طوائف من أهل الفلسفة يصفونها بما يصفونه به واجب الوجود عندهم، وهي أمور لا يتصف بها إلا ممتنع الوجود، فيقولون: لا هي داخل البدن ولا خارجه، ولا مباينة له ولا مداخلة له، ولا متحركة ولا ساكنة، ولا تصعد ولا تهبط، ولا هي جسم ولا هي عَرَض، وقد يقولون: إنها لا تدرك الأمور المعينة، والحقائق الموجودة في الخارج، وإنما تدرك الأمور الكلية المطلقة، وقد يقولون: إنها لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباينة له ولا مداخلة.
وربما قالوا: ليست داخلة في أجسام العالم ولا خارجة عنها، مع تفسيرهم للجسم بما يقبل الإشارة الحسية، فيصفونها بأنها لا يمكن الإشارة إليها ونحو ذلك من الصفات السلبية التي تلحقها بالمعدوم والممتنع.