المشهودة، والاشتباه الذي بينهما وذلك بتعريفنا الأمور المشهودة، ثم إن كانت مثلها لم يحتج إلى ذكر الفارق وإن لم يكن مثلها، وبين بذكر الفارق، بأن يقال: ليس ذلك مثل هذا ونحو ذلك وإذا تقرر انتفاء المماثلة، كانت الإضافة وحدها كافية في بيان الفارق، وانتفاء التساوي، لا يمنع من وجود القدر المشترك، الذي هو مدلول اللفظ المشترك، وبه صرنا نفهم الأمور الغائبة ولولا المعنى المشترك ما أمكن ذلك قط"[1].
9 ـ مثال يوضح المقصود من القدر المشترك:
سبق بيان القدر المشترك بمثال وهو: نعيم الآخرة، فإن الله تعالى أخبرنا بما وعدنا في الدار الآخرة من النعيم والعذاب، وأخبرنا بما يؤكل ويشرب وينكح، ويفرش وغير ذلك، فلولا معرفتنا بما يشبه ذلك في الدنيا لم نفهم ما وعدنا به ونحن نعلم من ذلك أن تلك الحقائق ليست مثل هذه فبين هذه الموجودات في الدنيا وتلك الموجودات في الآخرة مشابهة وموافقة واشتراك من بعض الوجوه، وبه فهمنا المراد وأحببنا ورغبنا فيه أو أبغضناه ونفرنا منه، وبينهما مباينة ومفاضلة لا يقدر قدرهما في الدنيا، وهذا من التأويل الذي لا نعلمه نحن، بل يعلمه الله تعالى فما أخبرنا الله من صفات المخلوقين نعلم تفسيره ومعناه، ونفهم الكلام الذي خوطبنا به، ونعلم معنى العسل واللحم واللبن والحرير والذهب والفضة، نفرق بين مسميات هذه الأسماء، وأما حقائقها على ما هي عليه، فلا يمكن أن نعلمها نحن، ولا نعلم متى تكون الساعة، وتفصيل ما أعده الله لعباده: لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، بل هذا من التأويلات الذي لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.
فإذا كان هذا في هذين المخلوقين، فالأمر بين الخالق والمخلوق أعظم فإن مباينة الله لخلقه وعظمته وكبريائه وفضله أعظم وأكبر مما بين مخلوق ومخلوق.
فإذا كانت صفات ذلك المخلوق مع مشابهتها لصفات هذا المخلوق، [1] شرح العقيدة الطحاوية (1/64ـ68) .