والصفات من هذا الوجه مع التفاضل والتباين من وجه آخر.
8 ـ القدر المشترك ضروري لفهم الخطاب:
تقدّم بيان أن القدر المشترك ضروري لفهم الخطاب إجمالاً.
وسأذكر ذلك تفصيلاً من كلام شارح الطحاوية ابن أبي العز ـ رحمه الله تعالى ـ فقال: "وأعلم أن المخاطب لا يفهم المعاني المعبر عنها باللفظ إلا أن يعرف عينها أو ما يناسب عينها ويكون بينها قدر مشترك ومشابهة في أصل المعنى، وإلا فلا يكن تفهيم المخاطبين بدون هذا قط.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما بيَّن لنا أموراً لم تكن معروفة قبل ذلك، وليس في لغتهم لفظ يدل عليها بعينها وأتي بألفاظ تناسب معانيها تلك المعاني وجعلها أسماء لها، فيكون بينها قدر مشترك كالصلاة والزكاة والصوم والإيمان والكفر.
وقد يكون الذي يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدركوا مثله الموافق له في الحقيقة من كل وجه لكن في مفرداته ما يشبه مفرداتهم من بعض الوجوه كما إذا أخبرهم عن الأمور الغيبية المتعلقة بالله واليوم الآخر، فلا بد أن يعلموا معنى مشتركاً وشبهاً بين مفردات تلك الألفاظ، وبين مفردات ألفاظ ما علموه في الدنيا بحسهم وعقلهم فإذا كان ذلك المعنى الذي في الدنيا لم يشهدوه بعد، ويريد أن يجعلهم يشهدونه شهادة كاملة، ليفهموا به القدر المشترك بينه وبين المعنى الغائب أشهدهم إياه وأشار لهم إليه، وفعل فعلاً يكون حكاية له وشبهاً به يعلم المستمعون أن معرفتهم بالحقائق المشهود هي الطريق التي يعرفون بها الأمور الغائبة، فينبغي أن تعلم هذه الدرجات:
أولها: إدراك الإنسان المعاني الحسية المشاهدة.
ثانيها: عقله لمعانيها الكلية.
ثالثها: تعريف الألفاظ الدالة على تلك المعاني الحسية المعقولة.
فهذه المراتب الثلاثة لا بد لها منها في كل خطاب، فإذا أخبرنا عن الأمور الغائبة فلا بد من تعريفنا للمعاني المشتركة بينها وبين الحقائق