ذلك، مع أنه إذا جُعل غير قابل لهما كان تشبيهاً له بالجماد الذي لا يقبل الاتصاف بواحد منهما، وهذا تشبيه بالجمادات لا بالحيوانات، فكيف ينكر من قال ذلك على غيره ما يزعم أنه تشبيه بالحي.
وأيضاً: فنفس نفي هذه الصفات نقصٌ، كما أن إثباتها كمالٌ، فالحياة من حيث هي هي ـ مع قطع النظر عن تعيين الموصوف بها ـ صفة كمال، وكذلك العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والفعل، ونحو ذلك، وما كان صفة كمال فهو ـ سبحانه وتعالى ـ أحقّ بأن يتصف به من المخلوقات، فلو لم يتصف به مع اتصاف المخلوق به لكان المخلوق أكمل منه.
واعلم أن الجهمية المحضة كالقرامطة ومن ضاهاهم ينفون عنه تعالى اتصافه بالنقيضين حتى يقولون: ليس بموجود ولا ليس بموجود، ولا حيّ ولا ليس بحي.
ومعلوم أن الخلو عن النقيضين ممتنع في بدائهِ العقول، كالجمع بين النقيضين.
وآخرون وصفوه بالنفي فقط، فقالوا: ليس بحي ولا سميع، ولا بصير وهؤلاء أعظم كفراً من أولئك من وجه، وأولئك أعظم كفراً من هؤلاء من وجه.
فإذا قيل لهؤلاء: هذا يستلزم وصفه بنقيض ذلك كالموت والصمم والبكم.
قالوا: إنما يلزم ذلك لو كان قابلاً لذلك.
وهذا الاعتذار يزيد قولهم فساداً.
وكذلك من ضاهى هؤلاء، وهم الذين يقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه، إذا قيل لهم: هذا ممتنع في ضرورة العقل، كما إذا قيل: ليس بقديم ولا محدث، ولا واجب ولا ممكن، ولا قائم بنفسه ولا قائم بغيره.
قالوا: هذا إنما يكون إذا كان قابلاً لذلك، والقبول إنما يكون من المتحيز، فإذا انتفى المتحيّز انتفى قبول هذين النقيضين.