فهذا هو حال المؤمن، وليس معنى ذلك أن يغير طبيعته كما فعل ذلك بعضالمتصوفة عندما مات ابن له فحلق لحيته، وأخذ يضحك أمام النَّاس، ويقول: (أُرِاغَمَ نفسي وأرضى بقدر الله وقضاءه) فهذا عصى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وجعل من نفسه أمثولة؛ لأنه إِلَى ما قبل القرن العشرين كَانَ حلق اللحية مُثلة، عقوبة يُعاقب بها، فإذا أُريد أن يعاقب أحد حتى في الدول الكافرة تحلق لحيته.
وكانت بعض الأمم الممسوخة -كما كَانَ بعضالمجوس - يفعلونه ومنهم الذين قدموا عَلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا مسخ للفطرة، ولهذا أنكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والشاهد أن هذا الصوفي لما فعل ذلك جعل نفسه مُثلة، وأضحك النَّاس عليه، وهو بزعمه يظن أنه يراغم النفس ويرضي الله؛ لأن ابنه قد مات، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكمل النَّاس يقول: (إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له) فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم النَّاس بالله وأتقاهم له، ومع ذلك حزن قلبه، ودمعت عينه، فنحن مأمورون بالصبر.
أما الرضا فكما يقول شَيْخ الإِسْلامِ رَحِمَهُ اللَّهُ: "أما الرضا فلم نؤمر به"، وما ورد من الأدلة يدل بعمومه عَلَى مدح من يرضى، والثناء عليه لا عَلَى وجوبه، ولهذا إذا كَانَ من باب الثناء والمدح فهو مندرج ضمن حالة الصبر، أي: أن يصبر العبد ويبلغ به الصبر أن يرضى بما قدر الله، دون أن يتعدى ذلك إِلَى مخالفة الفطرة، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يمكن أن يقال: إن أحداً قد فاقه أو يفوقه في ذلك المقام أبداً، فإذاً: لم يرد في الكتاب والسنة ما يوجب علينا أن نرضى بكل ما يقدره الله، بل الحال في ذلك تبعٌ للأمر والنهي.
يقول: [بل من المقضي ما يرضى به ومنه ما يسخط ويمقت] وهذه العبارات إِلَى نهاية قوله: [والتعمق والنظر] منقولة من مدارج السالكين، لكن في موضعٍ آخر (في الجزء الأول صفحة 256) .