إذاً من المقضي ما يُرضى به، ومنه ما يُسخط ويُمقت لماذا؟ يقول: (كما لا يرضى به القاضي لأقضيته) أي أنه سبحانه القاضي الذي قضى بهذا القضاء لم يرضَ به.
وقد لعن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الكافرين أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159] وذمهم في مواضع كثيرة، والمؤمن في ذاته ليس ملعوناً، وليس مغضوباً عليه في ذاته، فقد يفعل من الأفعال ما هو ملعون أو مغضوب عليه، أو غير مرضي لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سواءً في الأفعال أو في الذوات أو في الأعيان منها ما يبغضه الله ولا يرضاه، ونحن إذاً لا يجوز لنا أن نرضى بكل شيء، هذا هو الجواب الأول.
والجواب الثاني: قال: [هُنا أمران: قضاء الله، وهو: فعلٌ قائم بذات الله، ومقضي وهو: المفعول المنفصل عنه] هذا الموضوع فيه دِقة، وقد اختلفأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ مع الأشعرية، فالأشعريّة جبريّة جهميّة، لكنهم لم يقولوا: إن الإِنسَان كريشة في مهب الريح، ولم يستطيعوا أن يصرحوا بالجبر.
اختلاف أهل السنة مع الأشاعرة في مسألة أفعال الله
اختلف أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ مع الأشعرية في مسألة أفعال الله سبحانه، فَقَالَ أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ كما قال ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ''وهو قول سلف الأمة وجمهورها: إن القضاء غير المقضي''، وهذا معروف بالبديهة، فلو فكرت لوجدت أن القضاء غير المقضي، فقضاء الله فعله، والمقضي أثر القضاء، وآثار قضائه يدركه العقل والفطرة فَيَقُولُ: (قول سلف الأمة وجمهورها: إن القضاء غير المقضي، فالقضاء فعله ومشيئته، وما قام به -بذاته واتصف به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والمقضي مفعوله المباين له المنفصل عنه، وهو المشتمل عَلَى الخير والشر، فقضاؤه كله حق، والمقضي منه حق، ومنه باطل] .