فمن حيث إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق إبليس، وخلق الكفر، وخلق الشر، وأن الله قضى ذلك فهذا حق، لكن من حيث إن هذه الأعيان أو هذه الأفعال مذمومةٌ أو ملعونة شرعاً فهذه من جهة الشرع فيها الحق وفيها الباطل، ومنها ما يحمد ومنها ما يُذم، ومنها ما نرضى به ومنها ما نكره، لكن من حيث اتصاف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأنه هو الذي يقضي، وله القضاء، وله الأمر فهذا حق، فالقضاء كله حق، لكن المقضي هو أثر القضاء أعياناً أو أعمالاً، فمنها ما يرضى ومنها ما يسخط، ومنها ما هو حق ومنها ما هو باطل، بميزان الأمر والشرع.
فهُنا قال السلف هذا القول، فجاء الأشعرية وَقَالُوا: القضاء هو عين المقضي، والفعل هو عين المفعول، ولهذا وقعوا في الجبر، أو لم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم هذا السؤال، ومنهم أبا بكر الباقلاني، شيخهم وإمامهم الأكبر، والسؤال الذي يسائله المُصْنِّف هُنا [إذا كَانَ الكفر بقضاء الله وقدره، ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله فكيف ننكره ونكرههُ؟ وهذا عجز لأنه لا يفرق بين القضاء وبين المقضي، لكن أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ يفرقون، ولهذا يقولون: نَحْنُ نؤمن بالقضاء، ونحب قضاء الله، لكن نكره المقضي الذي هو الكفر، فيقول فهُنا أمران:
قضاء الله وهو: فعل قائم بذات الله.
ومقضي وهو: المفعول المنفصل عنه.
فالقضاء كله خير وعدل وحِكَمة نرضى به كله.
والمقضي قسمان: منه ما يرضى، ويوضح ذلك الوجه الثالث لأنهما متقاربان.
والقضاء الذي قضاه الله له وجهان:
أحدهما: تعلقه بالرب تَعَالَى ونسبته إليه فمن هذا الوجه يُرضى به.
والوجه الثاني: تعلقه بالعبد ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إِلَى ما يرضى به، وإلى ما لا يُرضى به. ولهذا قال الله تَعَالَى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8] .