أهل الكلام جميعاً: المعتزلة، والأشعرية، وأمثالهم، ينصون عَلَى أنه لا دليل عَلَى صدق النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا المعجزة.
إن المتكلمين يريدون أن يدفعوا شبهة ألقاها إليهم الفلاسفة وأمثالهم، وهذه الشبهة مجملها: أن الأديان كلها تقليد، ويقولون: إن اليهودي ولد يهودياً، والنصراني ولد نصرانياً، والمسلم ولد مسلماً، ولا يوجد هناك دين بالعقل أو بالنظر، ويقولون: إن المسألة ليس فيها دليل عقلي وإنما هي تقليد وإرث واتِّباع، فجاء هَؤُلاءِ غلاة المعتزلة، وغلاة الأشعرية وأمثالهم من الذين يسمون أنفسهم المدافعين عن الإسلام، وأرادوا أن يردوا عَلَى هَؤُلاءِ فَقَالُوا: إن النبوة عندنا ليست مجرد تقليد، وإنما نؤمن بالأنبياء وأنهم يأتون بدليل مادي ظاهر لا يملك العقل أن يرده، وهذا الدليل هو المعجزة -وسموها معجزة- والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يسمى ذلك حتى عَلَى لسان القوم بينة أو آية، والبينة أو الآية: هي التي بها تثبت صحة النبوة، وتثبت نبوة الأَنْبِيَاء بآيات بينات، وبراهين واضحات، وما يزعمه هَؤُلاءِ هو جزء من هذه البينات، وهي أن يجري الله -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى يديه خارقاً من خوارق العادات، فالدليل عَلَى نبوة موسى -عَلَيْهِ السَّلام- ليس فقط أنه ألقى العصا فإذا هي حية تسعى هذه هي آية قامت بها الحجة علىفرعون، لكن ليست هي الدليل الوحيد عَلَى نبوة موسى -عَلَيْهِ السَّلام- وهذا بين من أصل نشأته لو فكر هَؤُلاءِ!
من الذي أوحى إِلَى أمه أن تضعه في التابوت؟ ومن الذي ساق التابوت إِلَى أن أوصله إِلَى قصرفرعون؟ ومن الذي ألقى في قلب امرأة فرعونأن تحبه؟ ومن الذي سخر فرعون أن يطيع امرأته لتربى هذا الولد وتحتضنه؟
ثُمَّ يأتي هذا الولد ويقف أمام الطاغوت الأكبر الذي يقول: َأَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] فيقول له: أعبد الله، وأنت عبد مخلوق؛ هذا بنفسه: بينة بل بينات وبراهين.