وهذا لا يوجد في كلام الخليل، ولا أبي عبيدة، ولا الزجاج، ولا النضر بن شميل وهَؤُلاءِ الذين هم أئمة اللغة المتقدمين، ما كانوا يقولون: إن الكلمة لها معنى أصلي والباقي مجاز، فجاء المعتزلة وفعلوا ذلك ثُمَّ جعلوا المعنى الذي في المخلوق هو الأصل وهو والظاهر والحقيقة، والذي في الله هو المجاز، وَقَالُوا: مثلاً: ننفي عن الله سبحانه، الرحمة؛ لأنها رقة وإنكسار في القلب، وهي في المخلوق عَلَى الحقيقة وفي الخالق عَلَى المجاز!! ولو أنهم قالوا: ما يتصف به الله عَزَّ وَجَلَّ هي الرحمة الحقيقية، وهي في المخلوق مجاز أو الملك أو الحكمة في المخلوق مجاز، وفي الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حقيقة لكان أقرب، أما أن يجعلوا الصفة في المخلوق عَلَى الحقيقة، وما يتصف به الله مجازاً، ثُمَّ ينفونه، فهذا من البدع ومن الضلال، ويكون هذا الظاهر غير مراد، فمن قال ذلك ففي فهمه ضعف وقصور.
وكم من عائب قولاً صحيحاً
ومن ظن أن الآيات والأحاديث فيها معان فاسدة كفرية باطلة في حق الله عَزَّ وَجَلَّ، وأنها لا بد أن تؤول وأن تخرج عَلَى معاني لغوية، ليستقيم وصف الله تَعَالَى بها، فهذا من فساد عقله وفهمه، ولهذا استشهد المُصْنِّف بالبيت الذي قاله المتنبي:
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
والمتنبي شاعر مشهور وهو في هذا البيت يعتز بنفسه كما هي عادة الشعراء فهو يقول للذين يعيبون عليه شعره:-
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الأفهام منه على قدر القرائح والعلوم