وأما من يعيش في بادية وهو أمي، ويعبد الله عز وجل ويقوم بجميع الواجبات والفرائض دون أن يستدل بالعقل على وحدانية الله كما يريدون، فهذا يسمى مقلداً، وقد اختلفوا في إيمان المقلد كما مر، فقال بعضهم: لا يثبت له إيمان. وقال بعضهم: إنه عاصي. وقال بعضهم: إنه معذور.
فاليهودي مقلد، والنصراني مقلد، والمسلم مقلد، فالأديان كلها تقليد، وأما الحق فهو ما يعتقدونه من البراهين والحجج العقلية.
ونحن نرد عليهم بالآتي:
أولاً: كيف رضيتم أن يسوى بين الإسلام، وبين غيره من الأديان الباطلة المحرفة؟ فإن من ولد على الإسلام ليس بمقلدٍ أبداً، بل كل مسلم ليس بمقلد في أصل الدين -أي في إيمانه بالله- إلا على المعنى الذي سنذكره -إن كان يسمى تقليداً-، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مولود يولد على الفطرة) (كل مولود يولد على الملة) وفي رواية: (كل مولود يولد على هذه الملة) ، فنحن نجزم ونعلم أن أولاد اليهودوالنصارى، وأولاد المجوس كلهم يولدون على هذه الملة، ولذلك قال: (فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) ولم يقل يمسلمانه. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل ترون فيها من جدعاء؟) فالبهيمة لا تولد مقطوعة الأذن، أو عليها علامات مميزة، وإنما تولد جمعاء. فالذي يشرط ويقطع الأذن، ويجعل علامة معينة لانتماء معين هو المجتمع أو التربية؛ بحيث يربى على اليهودية، فيصير يهودياً. وإلا فهو في أصله ولد على الإسلام.
ثانياً: أنكم إن قلتم إنه لا إيمان للمقلد.
فمن هو المقلد؟
وما هو التقليد؟
فنحن وهم متفقون على أن التقليد هو: اتباع الغير بلا حجة، لذا لو قلت له: أنا اتبعك في كل ما تقول، فإنه سيقول: لا تقلدني. لكن لو قلت: ما هي براهينك؟ فقال: كذا وكذا.
فقلت: أنا عرفت هذه البراهين واتبعتك تقليداً لك.
فإنه سيقول: لا، أنت لست مقلداً؛ لأنك آمنت واتبعتني بعد ما عرفت براهيني.