لكن ما دام أنه قد تحقق لهم الإيمان ظاهرا وباطنا، ولم يأت أحد منهم بما يخرج به عن الإسلام، فإنه من الأمة المحمدية التي يثبت لها هذا الوصف بحسبها، فكل من كان على الصراط المستقيم، يعني أتم استقامة كان حظه من الوسطية بحسب ذلك.
المقصود أن الشيخ يقول: إن الفرقة الناجية -أهل السنة والجماعة- وسط في فِرق الأمة، كما أن الأمة وسط في الأمم، ثم يفصل ذلك في مسائل يقول:
فهم وسط في باب صفات الله، بين أهل التعطيل الجهمية، وأهل التمثيل المشبهة، وسط، أهل التعطيل ينفون صفات الرب، يعطلون الرب عن صفات كماله، يعطلون النصوص عما دلت عليه من الحق، وشرهم الجهمية، هم أهل التعطيل؛ إذ ينفون الأسماء والصفات، ويدخل فيهم المعتزلة، فإن لفظ الجهمية إذا أطلق يتناول المعتزلة.
ويقابلهم أهل التمثيل، الذين يمثلون صفات الرب بصفات الخلق، يقول أحدهم: له يد كيدي -تعالى الله-، وسمع كسمعي، وبصر كبصري، وهكذا، فهؤلاء أهل التمثيل.
وكل من المذهبين ضلال وكفر، كما قال الإمام نعيم بن حماد -رحمه الله-: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه.
أهل السنة -إذن- هم يثبتون، يثبتون لله ما أثبته لنفسه، خلافا لمن؟ للمعطلة، بلا تشبيه خلافا للمشبهة، وينزهونه عن النقائص والعيوب خلافا للمشبهة، بلا تعطيل خلافا لمن؟ للمعطلة، فإن المعطلة غلوا في التنزيه، غلوا، يعني يزعمون أنهم ينفون الصفات عن الله حذرا من التشبيه، فغلوا في التنزيه، فأفضى بهم ذلك إلى التعطيل، وفروا من تشبيه، فوقعوا في تشبيه أكبر.
والمشبهة -أعني أهل التمثيل- غلوا في الإثبات حتى شبهوا الله بخلقه، ولهذا قال بعض أهل العلم: "إن المعطل يعبد عدما"؛ لأن نفي جميع الصفات يستلزم نفي الذات، "والمشبه يعبد صنما"، المشبه الذي يقول: لله سمع كسمعي، وبصر كبصري، ليس هذا هو الله الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه.