فأهل السنة وسط، ولهذا نقول: إنهم يثبتون لله الأسماء والصفات، وينزهونه عن كل ما لا يليق به، إثباتا بلا تشبيه، وتنزيها بلا تعطيل، فهذه وسطيتهم، فكانوا بريئين من الإفراط والتفريط، وسائر الانحرافات والضلالات التي وقع فيها من خالفهم.
ثانيا: وهم وسط، أيضا أهل السنة وسط في باب ماذا؟ في باب أفعال الله، هذا الثاني: أفعال الله، في باب أفعال الله، بين الجبرية والقدرية، وسط في أفعال الله بين الجبرية والقدرية.
الجبرية يقولون: لا فعل لنا، بل كل الأفعال أفعال الله، فالعبد لا فعل له، والله هو الفعال لكل شيء. وعلى مذهبهم الباطل الخبيث يكون الله هو الفاعل لأفعال العبد، بمعنى أنه هو الموصوف بها حقيقة، فهو المصلي، والصائم، وكذا، والآكل، والشارب، ونترك الباقي؛ لأن فيه شناعة، فلا فعل للعبد، العبد حركاته لا اختيار له فيها، ولا إرادة ولا مشيئة، بل مَثَله مَثَل الريشة في مهب الريح، وحركته كحركة الأشجار، وحركة المرتعش، والعروق النابضة.
ويقابلهم القدرية، ومنهم المعتزلة، المعتزلة قدرية، هؤلاء ينفون القدر، والجبرية يثبتونه، لكنهم يغالون في الإثبات.
وأما القدرية فيراد بهم -في الغالب- النفاة الذين يقولون: إن الله تعالى لا يقدر على أفعال العبد، بمعنى أن العبد يخلق فعله، فيتصرف دون مشيئة الله، ودون قدرته، فالله لا يقدر أن يجعل هذا مؤمنا وهذا كافرا، ويجعل المطيع عاصيا أو العاصي مطيعا، أو الكافر مؤمنا أبدا، فالعبد يفعل بإرادته المحضة المنطلقة المنقطعة عن مشيئة الله، وعن قدرة الله، فينفون عموم المشيئة، وعموم الخلق.