أهل السنة والجماعة بين ذلك، وسط في أفعال الله، فيقولون: إنه تعالى خالق كل شيء، فجميع ما في الوجود هو خلقه، خالق السماوات والأرض ومن فيهن، وهو خالق العباد، وخالق قدرتهم وإرادتهم، وخالق أفعالهم {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [1] {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) } [2] .
ولكن للعبد فعل، فأفعال العباد ليست أفعالا لله، العبد هو المصلي والقائم، والراكع والساجد، والآكل والشارب، والصادق والكاذب، والظالم والسارق، وهكذا، العبد هو الذي يوصف بهذه الأفعال، هي أفعال للعبد، لكنها واقعة بمشيئته تعالى وبقدرته، وهي مفعولة له ليست فعلا له، المفعول غير الفاعل، المفعول هو الشيء المصنوع المنفصل عن الفاعل، وأما الفعل فمن شأنه أن يقوم به الفاعل.
ولهذا ذكرت لكم أن الذين ينكرون المحبة والرضا، والغضب والسخط، وينفون ذلك، ينفون هذه الصفات عن الله، يفسرونها، يفسرها بعضهم بأشياء منفصلة، بمفعولات، مفعولات بالنعم، وبالعقوبات المخلوقة.
إذن أهل السنة والجماعة وسط في أفعال الله، بين الجبرية الذين يقولون: إن العبد مجبور وليس له إرادة ولا اختيار ولا فعل، وإضافة الأفعال إليه إضافة مجازية، وإلا فهي في الحقيقة أفعال لله، وهم وسط -أعني أهل السنة- بين الجبرية وبين القدرية النفاة الذين يقولون: إن العبد يخلق فعله، وإنه لا تعلق لمشيئة الله ولا لقدرته بأفعال العبد.
إذن هم وسط، فأهل السنة يثبتون القدر، يؤمنون بالقدر بكل مراتبه، ومع ذلك يؤمنون بالشرع، ويثبتون فعل العبد، فخالفوا بذلك الجبرية والقدرية، وكانوا وسطا بين الطائفتين الضالتين المنحرفتين.
ثالثا: وهم وسط -أعني الفرقة الناجية أهل السنة- وسط في باب وعيد الله، وسط بين من؟ بين المرجئة، والجهمية، والوعيدية من الخوارج والمعتزلة، الخوارج والمعتزلة كلهم وعيدية، والجهمية مرجئة. [1] - سورة الرعد آية: 16. [2] - سورة الصافات آية: 96.