إذن صاروا وسطا: المرتكب لكبيرة وهو موحد ولم يأت بناقض، هذا -يقولون-: عاص فاسق ناقص الإيمان، ما يقولون: مؤمن كامل الإيمان، ولا يقولون: كافر، ولا يقولون: إنه في منزلة بين المنزلتين.
وبهذا تظهر وسطيتهم، ويظهر تطرف من خالفهم، فالحرورية والمعتزلة في طرف، والمرجئة في طرف، هؤلاء هم المتطرفون حقا، أما أهل السنة فهم عدل خيار وسط، لا إفراط ولا تفريط، أهل عدل في أحكامهم وأقوالهم وأفعالهم.
والمسألة الخامسة، وهي الأخيرة: وأهل السنة وسط في أصحاب رسول الله، أصحاب الرسول صاروا -يعني ما يجب لهم- صار قضية، أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - اختلفت فيهم الفرق، ففريق غَلَوا، وفريق جَفَوا، وفريق توسطوا.
فأهل السنة والجماعة وسط في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الخوارج والرافضة، أو بين الرافضة والخوارج، تعبير واحد.
فإن الرافضة يغلون في آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يغلون في علي بن أبي طالب وذريته، يغلون في فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتجاوزون فيهما الحد.
وأما الخوارج فإنهم يكفِّرون كثيرا من الصحابة، ومنهم علي - رضي الله عنه - فكانوا مع الرافضة على طرفي نقيض.
والرافضة هم شر النواصب، فإن النواصب -أو الطائفة الناصبة- هم الذين ينصبون العداء لأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وخير أهل بيت النبي مطلقا من؟ أهل بيته خيرهم هو علي - رضي الله عنه - وإن كان الرافضة يجمعون مع غلوهم في عليّ وذريته نصب العداوة لخير هذه الأمة بعد نبيها، لأبي بكر وعمر وعثمان وجمهور الصحابة، ولا يستثنون إلا نفرا قليلا.
فهم شر من الخوارج، فقد شاركوا الخوارج في نظير ما ضلت وانحرفت فيه الخوارج من أمر الصحابة وزادوا عليه، زادوا، فالرافضة شر، والخوارج خير منهم بكثير، فالذي يبغض -مثلا- عليا أو يكفره هو أهون ممن يبغض أبا بكر ويكفره، يعني هذا خير من هذا، وإن كان الكل ضالا منحرفا زائغا عن سبيل الحق.