القول الثاني: الإيمانُ محصورٌ في القلب. وأصحاب هذا القول نوعان: أحدهما يقول إن الإيمان عبارة عن معرفة الله بالقلب، حتى أن من عَرفَ الله بقلبه ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يُقرَّ به فهو مؤمن كامل الإيمان. وهذا قول الجهم بن صفوان وأبي الحسن الصالحي أحد رؤساء القدرية. وثانيهما يقول بأن الإيمان هو مجرد التصديق بالقلب. وهذا مذهبُ أبي منصور الماتريدي، وروي عن أبي حنيفة، ونقله الفخر الرازي في التفسير عن الحسين بن الفضل البجلي، واختارَه. وهذا الذي استقر عليه عامةُ متكلمي الأشاعرة المتأخرين، كما في المواقف وشروحه.
القول الثالث: الإيمان هو الإقرار باللسان فقط، ومنهم من جعل حصولَ المعرفة في القلب شرطا في كون الإقرار اللساني إيمانا، وهذا قول غيلان الدمشقي والفضل الرقاشي، ومنهم من لم يشترطه وهم الكَرَّامية. فالمنافقون عندَهم مؤمنون كامِلو الإيمان، ولكنهم يقولون بأنهم يستحقون الوعيد الذي أوعدهم الله به! وهذا قول ظاهرُ الفساد كما يقول ابن أبي العز في شرح الطحاوية.
وقد استدل الذين يخرجون العمل من مسمى الإيمان ويحصرون هذا الأخير في التصديق ببعض الأدلة [1] ، سأذكرها وأجيب عنها بحول الله تعالى على وجه الاختصار: [1] - إنما أفردت هذا القول بذكر أدلته والجواب عنها لشدة خطورته، وانتشاره في الأمة كما لا يخفى. وانظر هذه الأدلة في تفسير الرازي الكبير: 2/24 والمواقف: 385. وهي عندي مع الأجوبة عليها بتفصيل في رسالة خاصة اسمها: " حقيقة الإيمان من خلال تفسير الإمام الرازي – عرض وتحليل ".